وَقَالَ لي قد علمت من أَيْن غَلطت أَحْسَنت الظَّن بِنَفْسِك فتاقت الى دَرَجَات الْمُحْسِنِينَ بِخِلَاف سيرتهم من غير إِنْكَار مِنْك عَلَيْهَا لمساويء أعمالا وَلَا دفع لما ادَّعَتْهُ من اعمال الصَّادِقين
وأسأت الظَّن بغيرك فانزلتهم فِي دَرَجَة المسيئين إغفالا مِنْك لشأنك وتفرغت للنَّظَر فِي عُيُوب غَيْرك
فَلَمَّا كَانَ ذَلِك مِنْك كَذَلِك عوقبت بِأَن غارت عُيُون الرأفة وَالرَّحْمَة من قَلْبك وانفجرت إِلَيْهِ أَنهَار الغلظة وَالْقَسْوَة فَأَحْبَبْت أَن تنظر الى النَّاس بالإزراء عَلَيْهِم والاحتقار لَهُم وَقلة الرَّحْمَة وَأَرَدْت أَن ينْظرُوا اليك بالتعظيم والمهابة وَالرَّحْمَة فَمن وَافَقَك مِنْهُم على ذَلِك نَالَ مِنْك قربا ومحبة ونلت أَنْت من الله تَعَالَى بعدا وسخطا وَمن خالفك فِيهِ ازْدَادَ مِنْك بعدا وبغضا وازددت انت من الله بعدا وسخطا
وأطلت فِي ذَلِك كُله أملك فطاب لَك الْمسير فِي طَرِيق التسويف ومدارج الحيرات فاشتدت رَغْبَة نَفسك واستمكن الْحِرْص من قَلْبك فعظمت لذَلِك فِي الدُّنْيَا رغبتك وشحت فجمحت الى شهواتها واحتوشت قَلْبك لذاتها فحال ذَلِك بَيْنك وَبَين ان تَجِد حلاوة سلوك طَرِيق الاخرة