قَالَ ترك ذكر عيب من غَيْرك ترجو على ذكره إِذا ذكر بِهِ الثَّوَاب لكيلا يخْرجك ذَلِك الى ذكر عيب من غَيْرك تخَاف على ذكره الْعقَاب وَخذ نَفسك بِهَذَا الْبَاب اشد الاخذ واحمل عَلَيْهِ من النَّاس من استرشدك وَأَرَادَ مثل الَّذِي تُرِيدُ
فَإِن العَبْد إِنَّمَا يُؤْتى من قبل التهاون باليسير وَهُوَ الَّذِي يُوقع فِي الاثم الْكَبِير والتهاون باليسير هُوَ الاساس الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ الْكثير فَيكون أَوله كَانَ تحفظا ثمَّ صَار انبساطا ثمَّ صَار من الانبساط الى ذكر الْيَسِير ثمَّ صَار من الْيَسِير الى مَا هُوَ اكثر مِنْهُ فَلَا تشعر حَتَّى ترى نَفسك حَيْثُ كنت تكره ان ترى فِيهِ غَيْرك فَفِي ترك الْيَسِير ترك الْيَسِير وَالْكثير
وَأقوى النَّاس على ذَلِك واصدقهم عزما هُوَ الَّذِي إِذا عزم امضى عزمه وَلم يلو وأضعف النَّاس فِي ذَلِك أضعفهم عزما وَهُوَ الَّذِي يعزم ثمَّ يحل عزمه وَلَا يكَاد يمْضِي عزما
فَهَذَا الَّذِي يتلاعب بِهِ الشَّيْطَان والهوى وَالنَّفس لَيْسَ لَهُ عِنْدهم قدر لِكَثْرَة معرفتهم يتناقص عزمه وَقلة اسْتِعْمَاله وأولو الْعَزْم من النَّاس افاضل الْخلق من كل طبقَة
صدق النَّدَم وعلامته
قلت فَمن أرجا النَّاس لقبُول التَّوْبَة مِنْهُم
قَالَ اشدهم خوفًا وأصدقهم ندامة على مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا شَاهده الله واطلع عَلَيْهِ من زلله وخطله وَطول غفلته ودوام إعراضه وَأَحْسَنهمْ تحفظا فِيمَا يسْتَقْبل وَإِن اسْتَووا فِي ذَلِك فاشدهم اجْتِهَادًا فِي الْعَمَل
لِأَن عَلامَة صدق النَّدَم على مَا مضى من الذُّنُوب شدَّة التحفظ فِيمَا بَقِي من الْعُمر ومواثبة الطَّاعَة بالجد وَالِاجْتِهَاد واستقلال كثير الطَّاعَة واستكثار قَلِيل النِّعْمَة مَعَ رقة الْقلب وصفائه وطهارته ودوام الْحزن فِيهِ وَكَثْرَة الْبكاء والتفويض الى الله تَعَالَى فِي جَمِيع الامور والتبري إِلَيْهِ من الْحول وَالْقُوَّة ثمَّ الصَّبْر بعد ذَلِك على أَحْكَام الله عز وَجل وَالرِّضَا عَنهُ فِي جَمِيعهَا وَالتَّسْلِيم لاموره كلهَا