الهادئة , وتعبيرات الوجه الطلقة , فالتزم مصعب بن عمير - رضي الله عنه - الأدب في السؤال مع أسيد بن حضير - رضي الله عنه - , رغم الذي لاقاه من شتم وتهديد , فاختار له من ألطف الأسئلة إذ قال له: " أوَ تجلسُ فتسمعُ؟ " (?) , فكان أدباً لطيفاً يطلب منه الجلوس ليسمعه ما يريد , فلم يتمالك أسيد - رضي الله عنه - أمام هذا الأدب الجم إلا أن استجاب له وجلس ليستمع لما يقوله , مما يبين أهمية هذا الأدب وضرورة الالتزام به في أثناء الحوار.
إن الإعراض قد يكون بالجسد أو بالعين أو بالوجه أو باللفظ , ويستعمل المحاور هذا الأدب , حين لا يُجدي الحوار , ولا يُغني العتاب , ويكون ذلك عند كثرة أخطاء الخصم وإصراره , أو ارتكابه خطأً فادحاً قد يتضرر به المحاور.
ومصعب بن عمير - رضي الله عنه - أعرض عن أخيه أبي عزيز , وذلك مقابل تأييده ووقوفه مع أمه عليه , فعندما وقعت غزوة بدر وانتصر المسلمون , وكان من بين الأسرى " أبو عزيز بن عمير، أسره أبو اليسر , ثم اُقْتُرِعَ عليه فصار لمُحرِزِ بن نضلة، وأبو عزيز أخو مصعب بن عمير لأمه وأبيه. فقال مصعب لمُحْرِزٍ: اُشدُدْ يديك به، فإن له أُمّا بمكة كثيرة المال. فقال له أبو عزيز: هذه وصاتُك بي يا أخي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك! فبَعَثَتْ أُمّهُ فيه بأربعةِ آلافٍ، وذلك بعد أن سألت أغلى ما تُفَادِي به قريش، فقيل لها أربعةُ آلافٍ" (?) , فكان أبو عزيز يكلم أخاه مصعباً - رضي الله عنه - فلا يجيبه , فيعرض عنه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - لفظاً ويجعل كلامه إلى محرزٍ - رضي الله عنه - , وما ذاك إلا من شنيع ما لاقاه مصعبٌ - رضي الله عنه - منه , ولما يعرف من عداوة أخيه له.