لم يطل دهري في أثنائه متبرّماً بطول الغربة وشظف العيش، وكلب الزمان وعَجَف المال، وجفاء الأهل وسوء الحال، وعادية العدوّ وكسوف البال؛ متضرّماً من الحنق على لئيم لا أجد مُنصرفاً عنه، متقطعاً من الشوق إلى كريم لا أجد سبيلاً إليه - حتى لاحت لي غُرة الأُستاذ فقلت: حلَّ بي الويل، وسال بي السٍّيل! أين أنا عن ملك الدنيا، والفلك الدائر بالنُّعْمى؟ أين أنا عن مشرق الخير ومغرب الجميل؟ أين أنا عن بدر البدور وسعد السعود؟ أين أنا عمن يرى البخل كفراً صريحاً، ويرى الإفضال ديناً صحيحاً؟ أين أنا عن سماء لا تفتر عن الهطلان، وعن بحر لا يقذف إلا باللؤلؤ والمرجان؟ أين أنا عن فضاءٍ لا يُشقُّ غُباره، وعن حرَم لا يضام جواره؟ أين أنا عن منهلٍ لا صدر لفُرّاطه ولا منع لوُرّاده؟