ولما كان البيان لا يكون بياناً، والبلاغة لا تصير بلاغة إلا بأن يكون المتكلم آخذاً في كلّ واد، قادحاً بكل زِناد، مُستظهراً بكل عتاد، وجب أن يدخل الهزل في الجدّ إمتاعاً واستمتاعاً، ويدخل الجدّ في الهزل اقتداراً واتّساعاً.
قال ابن فارس: وأيُّ خُصوصيّة تكون في هذا، ونحن بالفارسية نرى هذا المذهب، ولعلّ سائر اللغات على ذلك؟ فقال: القول كما قلت، ولكن أين مزية كلام العرب على جميع ما لأَِصناف العجم؟ ثم قال: إن الغرض الأول في الكلام الإفادة، وجُلُّ الأُمم على هذا. والثاني تحسين الإفادة، ثم التحسين تارةً يكون بمعاني التوكيد، وتارةً يكون بمعاني الحذْف، وتارةً يكون بوزن اللفظ، وبتعديل الوزن، وبتسهيل المطالع، وبتيديل المقاطع؛ وهذه الأنواع غيرها مما يطول إحصاؤه؛ وهو للعرب خاصة، ولباقي الأُمم عامّة.
ثم قال: وقد اشتمل القرآن على هذا كله، وعلى ضروبٍ أُخر لم تن في عادة القوم فاشية ولا كثيرة، ولكن كالشيء البديع، أَلا ترى أنك لا تجد شوافع هذه المعاني التي في الكتاب غريبة في منثور كلامهم ولا في نظومهم؟ وأنت تعلم أنهم كانوا لا يسكتون،