سبيل الوحدة. وكلما كان الاشتباه أشدّ كان الفرق ألطف. وكلّما كان الفرق ألطف كانت أشدّ بحثاً عنه وألهجَ بطلبه لأن ظفرها به يكون أعزّ، ونيلها مطلوبها يكون أحلى.
وقال أبو الفتح يوماً آخر لابن فارس المعلّم: لِمَ قال الجاحظ: " فإنّ الكلام قد يكون في لفظِ الجِدّ ومعناه الهزل، كما يكون في لفظ الهزل ومعناه الجِدّ "؟ فلم يقُل شيئاً.
فقال أبو الفتح: قد صدق أبو عثمان، هذه خاصة مذاهب العرب، ولكن لِمَ عرض هذا في أخبارها، وأدنى ما فيه أن يدلّ على وضع الشيء في غير موضعه؟ فلم يُحره شيئاً.
فقال هو: إن إفراز الجدّ من الهزل، وتمييز الهزل من الجد حتى لا يُؤتى بهذا في هذا، ولا بهذا في هذا لَنوْعٌ من الخَطر على المتكلّم البليغ والقائل البيّن، ولو جرى على ذلك كان الاقتدار يُبطل الحدَّ الملزوم، والسَّعة تُضيّق الغاية المبلوغة.