المشروع ورمها، واتخذ منها وسيلة لهدم السنة، لم تقع بالصورة التي زعم أنها شملت الأحاديق كلها؛ بل إن الثابت أنها كانت ضرورة، أو رخصة في أضيق الحدود إذا اضطر الراوي إليها. وأنها كانت تقع في بعض الألفاظ - أحياناً - مثل وضع كلمة مكان أخرى يؤدي معناها، أو في أداة من أدوات العطف. وأنها لم تقع تعمداً ولا اختياراً، بل إذا نسى الراوي لفظاً في حديث يسوقه للاستشهاد به على أمر. وأنها كانت تقع في الراوية الشفيهة العابرة لا في تدوين الحديث وكتابته، وأن من كان يروى أمراً بالمعنى كان ينبه إلى تلك الراوية حتى لا يفهم السامع أنها من كلام النبي - عليه الصلاة والسلام.
وهذا كله كان في القرن الأول قبل تدوين الحديث، فلما أستقر تدوين الحديث بلفظه ومعناه منع العلماء روايته بالمعنى.
قال الماوردي: "إذا نسى اللفظ جاز - يعني (الرواية بالمعنى) - لا سيما أن تركه قد يكون كتماناً للأحكام، فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره؛ لأن في كلامه - صلى الله عليه وسلم - من الفصاحة ما ليس في غيره".
وقال السيوطى عن الصحابة إذا روَوْا بالمعنى:
"وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اضطروا إلى الرواية بالمعنى، أو شكوا في اللفظ النبوي، أو في بعضه، أوردوا عقب الحديث لفظاً يفيد التصون والتحوط، وهم أعلم الناس بمعاني الكلام، لعلمهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر، - يعني - أن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا إذا روَوْا شيئاً من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى - اضطراراً لا اختياراً - نبهوا بعد الفراغ من سوق الحديث إلى ما رووه منه بالمعنى. ولهذا التنبيه قائدتان: