أن كراهة كثرة التحديث في عصر الخلفاء لم تكن شاملة لكل الأحاديث، بل كانت مقصورة على أحاديث الرخُص خشية أن يركن إليها الناس ويتركوا أحاديث العزائم.
كذلك كانوا يكرهون ذكر الأحاديث التي قد يكون فيها "مشكلات" يصعب فهمها على عامة الناس. وقد اعتنى علماء الحديث من بعد بهذا النوع وعالجوه علاجاً علمياً جيداً، مثل "مشكل الآثار" للطحاوي، و"تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة.
هذا النوعان هما اللذان كانا موضع كراهة الإكثار منهما.
أما أحاديث العمل والأحكام الفقهية وكل ما يتعلق بأعمال المكلفين إيجاباً وحظراً، فهذه لم تكن محظروة ولا منهياً عنها.
وهذا ما غفل عنه، أو تغافل عنه دعاة هدم السنة النبوية ومنهم صاحب هذا المشروع التعسفي.
ثم من أين علم صاحب المشروع أن الخلف انحرفوا عن منهج السلف في رواية الحديث وتدوينه؟ مع أنهم - في حقيقة الأمر - ساروا على المنهج نفسه. ووضعوا ضوابط دقيقة لمن تقبل روايته ولمن ترد روايته. وفحصوا أحوال الرواة فحصاً دقيقاً، وصنفوهم طبقات على حسب سرتهم، ووضعوا درجات لكل طبقة - مثل: "ثقة - صدوق - مقبول - مردود.... إلخ"، وإذا روى الحديث عن ثقات وكان في سلسلة الرواة من ليس "ثقة" حكموا على الحديث بحكم يليق به من الضعف وغيره، وصنفوا الأحاديث أصنافاً ثلاثة: صحيح، وحسن، وضعيف.