فقال القوم: لقد أصاب أجرًا؛ فقال عبد الله بن مسعود: "وجعلًا، إن شاء من كلّ رأس أربعين درهمًا" (?).
قال السرخسي معقبًا على هذا الأثر: "وفي هذا الحديث بيان أن الراد يثاب؛ لأنّ عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - لم ينكر عليهم إطلاق القول بأنّه أصاب أجرًا، وفيه دليل على أنّه يستحق الجعل على مولاه، وهو استحسان أخذ به علماؤنا رحمهم الله، وفي القياس لا جعل، ولكنا تركنا القياس؛ لاتفاق الصّحابة - رضي الله عنهم -، فقد اتفقوا على وجوب الجعل، لأنّ ابن مسعود - رضي الله عنه - قال في مجلسه ما قال، وقد اشتهر عنه ذلك لا محالة ولم ينكر عليه أحد من أقرانه، وقد عرض قوله عليهم لا محالة، والسكوت بعد ذلك عن إظهار الخلاف لايحل لمن يعتقد خلافه، فمن هذا الوجه يثبت الإجماع منهم، ثمّ هم اتفقوا على أصل وجوب الجعل، وإن اختلفوا في مقداره ... " (?).
غير أن ذلك ليس بمطّرد عند الحنفية، حيث لم يوجبوا الجعل في الحيوانات الضالة؛ لعدم تحقق الخطورة، ولذا قال الكاساني: "فكان استحقاق الجعل طريق صيانة الآبق عن الضياع، وصيانة المال عن الضياع واجب، فكان المالك شارطًا للأجر عند الأخذ والردّ دلالة، بخلاف الضالة؛ لأنّ الدابة إذا ضلت فإنها ترعى في