حيث دل فعل الصّحابة رضي الله عنهم على جواز إرزاق القضاة من بيت المال مطلقًا غنيا كان أم فقيرًا، إذ لم يردّ في هذه الآثار تقييد ذلك بالفقير دون الغني.
قالوا: إنَّ بالناس حاجة إلى القضاء، ولو لم يجز فرض الرزق للقاضي، لتعطل القضاء، وضاعت الحقوق (?).
قالوا: إنَّ القاضي يجوز له أخذ الرزق على القضاء وإن كان غنيًا قياسًا على
عامل الزَّكاة، بجامع عموم الحاجة إلى كلّ منهما، وحصول المصلحة العامة بهما (?).
نوقش هذا الدّليل بأنّه قياس القاضي على عامل الزَّكاة قياس مع الفارق وبيان ذلك: "أن عامل الزَّكاة مستأجر من جهة الإمام لجباية أموال المستحقين لها وجمعها فما يأخذه بعمله كمن يستأجره الرَّجل لجباية أمواله، وأمّا الحاكم فإنّه منتصب لإلزام النَّاس بشرائع الرب تبارك وتعالى وأحكامه، وتبليغها إليهم فهو مبلغ عن الله تعالى عَزَّ وَجَلَّ بفتياه، ويتميز عن المفتي بالإلزام بولايته وقدرته، والمبلغ عن الله تعالى الملزم للأمة بدينه لا يستحق عليهم شيئًا، فإن كان محتاجًا فله من الفيء ما يسد حاجته" (?).