الدليل الثاني: قالوا: لو صحت النيابة في الحج - وهو من العبادات البدنية - لصحت في الأعمال القلبية كالإيمان، وغيره من الصبر، والشكر، والرضا، والتوكل ... وما أشبه ذلك، ولم تكن التكاليف واجبة على المكلف عينًا لجواز النيابة، فيكون مخيرًا ابتداءً بين الفعل والاستنابة (?).
يمكن مناقشة هذا التعليل بما يأتي:
أولاً: أن قياس الحج على الإيمان، وأعمال الإيمان القلبية قياس فاسد؛ لأن النصوص جاءت بجواز النيابة، بل بإيجابها في الأول دون الثاني، فيكون قياسًا في مقابلة النص.
ثانيًا: وأما قولهم: "لم تكن التكاليف واجبة، بل يكون المكلف مخيرًا ابتداءً ... " فيجاب عن ذلك بأن: هذا كلام لا يستقيم؛ لأننا لا نقول بجواز الاستنابة مطلقًا، سواء أكان قادرًا أم عاجزًا دون قيد أو شرط، بل الاستنابة مقيدة، وقد ذكر ذلك في محل النزاع.
وهؤلاء هم أصحاب القول الثاني وأدلة هؤلاء في مجملها هي أدلة أصحاب القول الأول القائلين بالوجوب، ولكنهم حملوها على الجواز دون الوجوب، فإن استناب غيره جاز له ذلك، وصحت الاستنابة، وسياتي ذكر هذه الأدلة، وبيان دلالتها على الوجوب لا الجواز.
وقد استدلوا على الجواز بأدلة أخرى منها:
الدليل الأول: من السنة: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أأحج عن أبي؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: (نعم، إن لم تزده خيرًا لم تزده