القول الآخر: إنَّ ما يأخذه العامل إنّما هو رزق مقدَّر بالكفاية.
وبه قال الحنفية (?).
الدّليل الأوّل: قياس العامل على القاضي والمقاتلة، فكما أن القاضي يأخذ رزقًا على عمله، فكذلك العامل، بجامع أن كلًا منهما قد فرغ نفسه للعمل لمصلحة المسلمين، فكل منهما قد انشغل بشيء من أعمال المسلمين ومصالحهم، فكانت كفاية كلّ منهما في مال من انشغل بعمله ومصلحته (?).
يمكن مناقشة هذا الدّليل بما يأتي:
أن هذا قياس مع الفارق؛ فإن القاضي لما فرغ نفسه لمصلحة المسلمين، والقضاء بينهم كانت كفايته في بيت المال، وهذه الكفاية إنّما يأخذها على سبيل الإعانة على الطّاعة، لا على سبيل العوض والأجرة؛ فإن الأجرة على القضاء لا تجوز، وقد نُقل الإجماع على عدم الجواز (?)، أمّا العامل فإنّه يأخذ ذلك على سبيل العوض في مقابل عمله، ولهذا جاز له أخذها مع الغنى؛ لأنّها أجرة عمله، بخلاف القاضي.