وواضح من هذا التعريف، أن الخلاف ليوصف بالفقهي، ينبغي أن يكون واقعا من أهله وهم الفقهاء، أهل النظر والكفاءة العلمية، لا غيرهم. وفي محله، وهو أحكام مسائل الفروع، كأوصاف التصرفات الشرعية العملية من طهارة، وصلاة، وزكاة، وغيرها، لا أحكام مسائل الأصول كالاعتقادات من: إيمان بالله وملائكته ورسله، وما إلى ذلك. ثم إن الخلاف في الفروع أمر مشروع، لا مسوغ لإنكاره ولا موجب للحذر منه إن وقع من أهله وفي محله وشروطه (?).
وعلى العموم، فما كان سبيل العلم به هو الاجتهاد، فالاختلاف فيه ممكن ومقبول؛ ذلك لأنه يقع في الفروع، لا في الأصول. وفي الجزئيات، لا في الكليات. وفي الظنيات، لا في القطعيات. كما أنه ناشئ عن أسباب موضوعية دعت الضرورة إليها، وهي ترجح في جملتها إلى اختلاف المدارك والعقول والأفهام، إضافة إلى احتمالية النصوص الشرعية، في ثبوتها ودلالتها على الأحكام.
ولأهمية الخلاف - أو علم الخلاف الشرعي - قال يحيى بن سلام (ت 200 هـ): ((لا ينبغي لمن لا يعلم الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعرف الأقاويل أن يقول: هذا أحب إلي)) (?).
والكتاب الذي بين أيدينا، هو كتابة في الموضوع من صميم المتناول، كتاب ينتمي إلى علم الخلاف والتحرر العقلي وإطلاق الفكر للاجتهاد، كما أنه في الفروع الفقهية، لا الكليات. وتزداد قيمته في أنه يبرز الخلاف بين الإمام مالك بن أنس وتلامذته.