فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْمُلْكَ أَيَكُونُ لِغَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. وَكَانَ أَبْرَهَةُ قَدْ أَجْمَعَ أَنْ يَبْنِيَ الْقُلَّيْسَ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَرَى مِنْهُ بَحْرَ عَدَنَ، فَقَالَ: لَا أَبْنِي حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا. وَأَعْفَى النَّاسَ مِنَ الْعَمَلِ. وَتَفْسِيرُ قَوْلِهَا: سَاعِي بُهْرٍ، تَقُولُ: اضْرِبْ بِمِعْوَلِكَ مَا كَانَ حَدِيدًا. فَانْتَشَرَ خَبَرُ بِنَاءِ أَبْرَهَةَ هَذَا الْبَيْتَ فِي الْعَرَبِ، فَدَعَا رَجُلٌ مِنَ النَّسَاءَةِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، فَتَبَيَّنَ مِنْهُمْ، فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَذْهَبَا إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ الَّذِي بَنَاهُ أَبْرَهَةُ بِصَنْعَاءَ، فَيُحْدِثَا فِيهِ، فَذَهَبَ بِهِمَا فَفَعَلَا ذَلِكَ، فَدَخَلَ أَبْرَهَةُ الْبَيْتَ، فَرَأَى أَثَرَهُمَا فِيهِ، فَقَالَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقِيلَ: رَجُلَانِ مِنَ الْعَرَبِ. فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَهْدِمَ بَيْتَهُمُ الَّذِي بِمَكَّةَ. قَالَ: فَسَاقَ الْفِيلَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لِيَهْدِمَهُ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ الْفِيلِ مَا كَانَ، فَلَمْ يَزَلِ الْقُلَّيْسُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، حَتَّى وَلَّى أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْعَبَّاسَ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيَّ الْيَمَنَ، فَذَكَرَ الْعَبَّاسُ مَا فِي الْقُلَّيْسِ مِنَ النَّقْضِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعَظَّمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تُصِيبُ فِيهِ مَالًا كَثِيرًا وَكَنْزًا. فَتَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى هَدْمِهِ وَأَخْذِ مَا فِيهِ، فَبَعَثَ إِلَى ابْنٍ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فَاسْتَشَارَهُ فِي هَدْمِهِ، وَقَالَ: إِنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ قَدْ أَشَارُوا عَلَيَّ أَنْ لَا أَهْدِمَهُ، وَعَظَّمَ عَلَيَّ أَمْرَ كُعَيْبٍ، وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِأَشْيَاءَ مِمَّا يُحِبُّونَ وَيَكْرَهُونَ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كُلُّ مَا بَلَغَكَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا كُعَيْبٌ صَنَمٌ مِنْ أَصْنَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فُتِنُوا بِهِ، فَمُرْ بِالدَّهْلِ - وَهُوَ الطَّبْلُ - وَبِمِزْمَارٍ، فَلْيَكُونَا قَرِيبًا، ثُمَّ أَعْلِهِ الْهَدَّامِينَ، ثُمَّ مُرْهُمْ بِالْهَدْمِ، فَإِنَّ الدَّهْلَ وَالْمِزْمَارَ أَنْشَطُ لَهُمْ، وَأَطْيَبُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنْتَ مُصِيبٌ مِنْ نَقْضِهِ مَالًا عَظِيمًا، مَعَ أَنَّكَ تُثَابُ مِنَ الْفَسَقَةِ الَّذِينَ حَرَقُوا غُمْدَانَ، وَتَكُونُ قَدْ مَحَوْتَ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015