إِلَى قَوْسِهِ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا سَهْمًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ ظَبْيَةً مِنْ ظِبَاءِ الْحَرَمِ وَهِيَ حَوْلَهُمْ تَرْعَى، فَقَامُوا إِلَيْهَا فَسَلَخُوهَا، وَطَبَخُوا لَحْمَهَا لِيَأْتَدِمُوا بِهِ، فَبَيْنَمَا قِدْرُهُمْ عَلَى النَّارِ تَغْلِي بِلَحْمِهِ وَبَعْضُهُمْ يَشْتَوِي، إِذْ خَرَجَتْ مِنْ تَحْتِ الْقِدْرِ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ عَظِيمَةٌ، فَأَحْرَقَتِ الْقَوْمَ جَمِيعًا، وَلَمْ تَحْرِقْ ثِيَابَهُمْ وَلَا أَمْتِعَتَهُمْ وَلَا السَّمُرَاتِ اللَّاتِي كَانُوا تَحْتَهَا، فَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْغُلَامِ التَّيْمِيِّ مَا كَانَ مِنْ هَتْكِهِ أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ، قَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ شِعْرًا، وَهُوَ يُذَكِّرُهُمُ الظَّبْيَ وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَهُ، وَيُخَوِّفُ قُرَيْشًا النِّقَمَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْغُلَامِ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَهَتَكَ بَعْضَهَا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْعَى وَقُرَيْشٌ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ شَمْسٍ يَسْعَى فِي أَثَرِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ، فَأَخَذَهُ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا آلَ قُصَيٍّ، يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ، فَهَطَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعَ هَذَا الْغُلَامُ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَأُقْسِمُ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ لَتُعَظِّمُنَّ حُرْمَتَهَا، وَلَتَكُفُّنَّ سُفَهَاءَكُمْ عَنِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا، أَوْ لَيَنْزِلَنَّ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ: لَيْسَ لَكَ بِضَرْبِهِ حَاجَةٌ، وَلَكِنِ انْظُرْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ فَاقْطَعْ يَدَهُ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، فَقَالَ فِي ذَلِكَ عَبْدُ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ:
[البحر الرمل]
يَا رَحَّالَاتِ قُرَيْشٍ بَلَدٌ ... مَنْ يُرِدْ فِيهِ مَلَدَّاتِ الظُّلْمِ
يَقْرَعُ السِّنَّ وَشِيكًا نَادِمًا ... حِينَ لَا يَنْفَعُ عُذْرُ مَنْ ظَلَمْ
طَهِّرُوا الْأَثْوَابَ لَا تَلْتَحِقُوا ... دُونَ بِرِّ اللَّهِ عُذْرًا يَنْتَقِمْ