وبذل لهم الوعود الجميلة حتى حملوا بأسرهم حملة كعزرائيل، فأجروا من العيون النضّاخة في عروق الكفّار أنهارا صوب البحر./ وجرى قول الحق جلّ وعلا تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً، وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (?) مجرى التداول. ونصبوا السّلالم، وصعد الشّجعان بالدّبوس الثقيل والسّلاح الخفيف عشرة عشرة من كل برج كالشّمس التى امتشقت الحسام، فقتلوا الفرنجة الذين كانوا على السّور، ونزلوا وفتحوا البّوابة، فدخلت العساكر، وتجاوز تدفّق الدّماء الحدّ، وعدّوا الإبقاء والعطف على الصّغير والكبير من المحظورات، وغنموا أموال أولئك الكفرة وعيالهم حيث أخذوهم رقيقا.
وفي اليوم التالي دخل السلطان المدينة، وجلس على عرش المملكة، فقيّد الصقر المسيطر على الفضاء بقيد الصّيد ثانية، وأمر بإقامة الاحتفالات العامة، وخصّ الأمراء والقادة ورؤساء العشائر والبواسل من العساكر المنصورة، فجعلهم ينالون الحظوة بمكارم وعواطف غير محصورة.
واستمر الاحتفال بعد انتهاء القتال سبعة أيام، ثم ألقى نظرة على سائر البيوتات، فما كان فيها معدوما جعله موجودا، وما كان قليلا أحاله كثيرا، وبلغ بحدّ النّقصان غاية الكمال، وبادر بترميم السّور وزاد من ارتفاعه وسدّ كل ثلمة فيه. وعهد من جديد بقيادة الجيش للأمير مبارز الدين أرتقش كي يستميل القلوب بحكم اطّلاعه على أحوال السّواحل، ويعيد المتمرّدين والمشرّدين إلى الماء والأرض. فضمّ أموال الخونة وأملاكهم إلى ديوان الخاص، وسجّلها في دفاتر الديّوان الأعلى، وأضاف بعضها إلى الإقطاعات.
وولّى السلطان وجهه صوب قونية، وكتب رسائل الفتح والظّفر لأطراف العالم، وأرسل من تلك الغنائم تحفا لا حصر لها إلى ملوك الأطراف.