وعلى هذا النحو جرت السلطنة زمنا، ثم انبعث في سويداء قلبه هاجس الغزو، فعقد العزم على غزو الكرج.
وكان سبب ذلك أن تامار ملكة الكرج- وكان لها على مملكة الأبخاز ودار الملك تفليس ما لبلقيس من حكم ونفاذ أمر ونهي- كانت قد سمعت أن للسلطان قلج ارسلان اثني عشر ولدا كل منهم يتمتع بملاحة القمر في السماء وصباحة الملك في الأرض. وكانت هي- مصداقا لقول القائل: أما النساء فميلهنّ إلى الهوى- حيثما وجدت أثر أمير جميل الطلعة فصيح اللسان أخذت تدعوه بلسان التعشّق قائلة: الأذن تعشق قبل العين أحيانا؛ وكانت تجلب الصيد المقصود إلى الشباك إما بالذّهب أو بمعسول الكلام.
وكانت قد بعثت لبلاد الرّوم رسّاما، فرسم صورة كل أمير من الأمراء، فما تحركت جواذب العشق عندها إلا للملك ركن الدين سليمانشاه، فعشقت صورته، وأرسلت من ثمّ مبعوثا تطلب الزواج منه، فطرح قلج ارسلان القضية في الخلوة مع سليمانشاه وعمل على استرضائه وأخذ رأيه، ففتل سليمان حبل العتاب في ذلك الأمر/ الجلل، وقال: كيف يسمح ملك العالم أن يرسلني إلى مملكة الأبخاز- وهي مصطبة الكفر والضّلال- بهذا اليسر لتحصيل مقصد دنيويّ دنيّ، وإني لأرجو أن ينجز الله ما وعد في قوله تعالى: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها (?) بفتح الأبخاز، فأحشد الجند وأذرو تراب تلك الديار في الرياح، ثم آتي بتلك الفاجرة إلى أعتاب السلطان في قيد الإسار والخسار، مأخوذة بالنواصي والأقدام. ولكم أحسّ السلطان من أعماق الروح والقلب بالسرور والارتياح لعلوّ همّة ولده، فأبدى إعجابه بما قال، وطلب إليه المعذرة.