السلطان حتى عتبة البيت، وجعل كل ما كان يملكه ابتداء من أنواع النفائس إلى الروح العزيز موطأ قدم مالكه، وأتى بمفاتيح القلاع وتفاصيل خزائن البقاع فوضعها بين يدي السلطان، وأقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يخالجه تردد في هذا الصدد، فقال السلطان: إن مجال فتوة الملك يتسع لمثل ألف مما يقول. والمأمول أن تظل أنهار السعادة تجري- بفضل الباري- في إرم (?) مرامنا، وتبدو نهاية للحلقة المفرغة للأيام. ويرجى الاعتذار عن ما أبداه الملك من ألطاف.
وبعد فترة من الإقامة هناك، توجّه نحو جانيت، ولبث بها مدّة، ثم استقل منها سفينة للسفر إلى ستنبول، وفجأة هبت ريح من مهبّ: تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن، فتكررت حالة: وجاءهم الموج من كل مكان، فألقى بالسفينة على ساحل بحر ديار المغرب، فما كان منهم إلا أن ألقوا بمراسيهم، وحملوا الأمتعة من ذلك البلل إلى اليابسة بعيون دامعة وشفاه جافّة.
وجعل السلطان يطوف مدة في تلك الأطراف، ويقابل شراسة أخلاق المغاربة بهشاشة ألطاف المشارقة، وكان آمنا من كيد نكد الأيام في كنف رعاية أمير المؤمنين عبد المؤمن (?) - رضي الله عنه، ونال حظوة تفقّده وتعهّده مّرات عديدة، وفي النهاية ولّى عنانه صوب استانبول بعد أن أذن له الخليفة.