انطلق الأمير «أسد الدين كندصطبل» - قائد جند ملطيّة- وفق الأمر المطاع بخمسة آلاف فارس وآلات الحصار صوب قلعة «جمشكزاك»، فرأى صخرة قد شمخت برأسها إلى السّماء، وبها غار هو من صنع الله، وأسفلها نهر جار لا يقم للنّيل وزنا ويحسب الفيل بعوضة، ومن هذه الناحية من النّهر مدينة أكثر منعة من القلاع الحصينة بل هي أكثر إحكاما وضخامة من القلاع [فنظر الأمير «كندصطبل» في تلك القلعة ثم قال لبقية القادة والمقدّمين] (?):
ياله من موقع يهاب العقاب أن يحلّق فوقه، ويبدو من المحال أن يعثر فيه النّقّاب على موضع لثغرة، إنه موقع لا ينال بالحرب والجلاد، فإن دخل في أنشوطة المراد بالوعد والوعيد فهو المراد وإلا فلنجهد قدر الإمكان لعلّه يتيسّر بالتأييد الربّاني والإقبال السلطاني.
ثمّ إنه أرسل إليهم رسولا، لكي يفاتحهم في أمر «كاخته» وبأنه لا محيد عن استنزالهم بالقسر، وإهلاك نجدة جند الشام بالقهر، ويتلو عليهم التّعليمات الواجبة النّفاذ. فلما اقترب الرسول من القلعة ألقي عليه وابل من حجارة النّبل والسّهام فأخذ يناديهم قائلا: أنا رسول، قادم لمصلحتكم. فلم يعيروه التفاتا، واضطرّ للرّجوع. فقال الأمير: يجب علينا أن نفتح طريق الحرب طالما أنهم أغلقوا باب الكلام./ ثم أمر فنصبوا العرّادات ولبس الجند لأمة الحرب، وشرعوا في الزّحف بأعداد هائلة على البّوابة، وظلّوا من الفلق إلى الغسق منشغلين بضرب المنجنيق والسّهام والكرّ والفرّ، وانتهى الأمر بعودتهم إلى الخيام عاجزين مضطرّين. وطيلة أسبوع واصلوا اللّيل بالنّهار في قتال مستمرّ (?).