رأسه في حجرها فنام ساعةً. فلم يشعر إلاّّ بالفجر قد برق. فقالت: قم يا جميل، لا يفضحنا الصّبح.

قال: فرجعت مبادراً حتّى رميت بنفسي في الرّحل. وجاء فأيقظني، ثمّ عمل إلى ثوبٍ من ثيابه فكسانيه، فلم يزل جميل يغشاني في كلّ نهارٍ وليلٍ، فأطير إلى الحيّ وآتيه فآخذ ميعاد بثينة إلى موضعٍ يجتمعان فيه ويتحدّثان إلى أن فطن بعض الحيّ بأمري. فقالت لي بثينة. أنج بنفسك، فإنّ الحيّ قد شعروا بك، وقل لجميل موعدك وسكن البطن. وأتيته فأخبرته، فمضى وانقطع عنّي خبره

وروي عن يحيى بن خالد بن برمك قال: كنت أهوى جاريتي دنانير، وهي لمولاتها زهراء، فلمّا وضع المهدي الرّشيد في حجري اشتريتها؛ فلم أسرّ بشيءٍ من الدّنيا مثل سروري بها وبملكها، فما لبثت إلاّّ يسيراً حتّى وجّه المهدي ابنه الرّشيد غازياً إلى بلد الرّوم، فخرجت معه، فعظم على فراقها، فأقبلت لا أتهنّأ بطعانٍ ولا شرابٍ صبابةً بها وذكراً لها. فأنا ليلةً في مضربي، وقد أصابني بردٌ شديدٌ وثلجٌ كثيرٌ، وأنا أتقلّب على فراشي أذكر الجّارية، إذ سمعت غناءً خفيّاً وصوت عودٍ بالقرب منّي. فأنكرت ذلك وجلست على فراشي فأشجاني الصّوت من غير أن أفهم حتّى أبكاني. فقمت، ولم أوقظ أحداً من العسكر، حتّى انتهيت إلى خيمةٍ صغيرةٍ من خيام الجند، فإذا فيها سراجٌ، فدنوت منها، فإذا فتىً جالسٌ، وإذا بين يديه ركوةٌ فيها شرابٌ وفي حجره عودٌ يضرب عليه ويتغنّى بهذا الصّوت:

ألا يا لقومي أطلقوا غلّ مرتهن ... ومنّوا على مستشعر الهمّ والحزن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015