فإذا الوادي يسل علينا من جنباته حيّاتٍ، فنهشتها حتّى بقيت عظاماً ونحن نرى ذلك. ثمّ انصرفنا جميعاً فقلنا للجارية التي معها: ويحك خبّرينا بخبر هذه المرأة، فقد والله رأينا منها عجباً؟ قالت: نعم بغت ثلاث مرّاتٍ، تلد في كلّ مرّةٍ غلاماً، فإذا وضعته حمت تنّوراً ورمته فيه وتكتم خبره. قال: فقلت سبحان الله ما أعجب هذا. وذكرت قول الغريض لها ستعلمين من في النّار، فزادنا ذلك تعجّباً منها.
قال أحمد بن يحيى: كان مرثد، عمّ عمرو بن قميئة الشّاعر، عنده امرأةٌ جميلةٌ، وكان قد كبر، وكان يجمع بني أخيه وبني عمّه في منزله للغداء كلّ يومٍ. وكان عمرو بن قمية شابّاً جميلاً، وكانت أصبع رجله الوسطى والتي تليها مفترقتين. فخرج مرثد يرمي بالقداح، فأرسلت امرأته إلى عمرو بن قميئة: ابن عمّك يدعوك. فجاءت به من دير البيوت، فلمّا دخل عليها لم يجد عمّه فأنكر أمرها، فراودته عن نفسها، فقال لها: لقد جئت بأمرٍ عظيمٍ، وما كان مثلي يدعى لمثل هذا! قالت: لتفعلنّ ما أقول لك أو لأسوأتك. قال: إلى المساءة دعوتني! ثمّ أنّه قام فخرج. وأمرت بجفنةٍ فكبّت على إثر رجله فلمّا رجع مرثد وجدها متغضّبةً فقال لها: ما لك؟ قالت: إنّ رجلاً من قومك قريب القرابة جاء يستامني نفسي ويريد فراشك منذ خرجت. قال: ومن هو؟ قالت: أمّا أنا فلا أسمّيه، ولكن قم فاقتف أثره تحت الجفنة. فلمّا رأى الأثر عرفه فأعرض عنه وجفاه، ولم يزده على ذلك، وكان أعجب الخلق إليه. وعرف ابن قميئة ذلك وكره أن يخبره فقال:
لعمرك ما نفسي بجدٍّ رشيدةٍ ... تؤامرني شرّاً لأصرم مرثدا
عظيمٌ رماه القدر لا متعبّسٌ ... ولا مؤيس منها إذا هو أخمدا
فقد ظهرت منه بوائق جمّةً ... وأفرغ في لومي مراراً وأصعدا