يا صحب القبر، يا من كان يؤنسني ... حيّاً، ويكثر في الدّنيا مواساتي،

أزور قبرك في حليٍّ وفي حللٍ، ... كأنّني لست من أهل المصيبات؛

فمن رآني، رأى عبرىً مفجعةً ... مشهورة الزّيّ تبكي بين أمواتي.

فقلنا لها وما الرّجل منك: قالت: بعلي، وكان يجب أن يراني في مثل هذا الزّيّ، فآليت على نفسي أن لا أغشى قبره إلاّّ في مثل هذا الزّيّ لأنّه كان يحبّه أيّام حياته، وأنكرتماه أنتما عليّ.

قال الأصمعي: فسألتها عن خبرها ومنزلها. وأتيت الرّشيد فحدّثته بما سمعت ورأيت، حتّى حدّثته حديث الجّارية. فقال: لا بدّ أن ترجع حتّى تخطبها إليّ من وليّها، وتحملها إليّ، ولا يكون من ذلك بد. ووجّه معي خادماً ومالاً كثيراً. فرجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، فأجابوا وزوّجوها من أمير المؤمنين وحملوها معنا وهي لا تعلم. فلمّا صرنا إلى المدائن نما إليها الخبر، فشهقت شهقةً فماتت، فدفنّاها هنالك. وسرت إلى الرّشيد فأخبرته الخبر، فما ذكرها وقتاً من الأوقات إلاّّ بكى أسفاً عليها.

توفّي رجلٌ وبقيت امرأته شابّةً جميلةً، فما زال بها النّساء حتّى تزوّجت. فلمّا كانت ليلة زفافها رأت في المنام زوجها الأوّل آخذاً بعارضتيّ الباب وقد فتح يديه وهو يقول:

حيّيت ساكن هذا البيت كلّهم ... إلاّّ الرّباب فإنّي لا أحييها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015