يكن فِي زمانه أدأب منه فِي قراءة كتاب عَلَى مَا ذكره من نفسه وَكَانَ يأخذ نفسه كل يوم بقراءة جزء من الحكمة ونهض بالعشي للمعلمين يعرض ذَلِكَ عليهم حَتَّى كَانَ أصحابه وإخوانه يلقبونه بالبديع القول وقولب الأوابد وَلَمْ يأخذ من أحد الملوك شيئاً ولا واكلهم ولا داخلهم كما ذكر فِي صدر كتابه فِي حيلة البرء وَكَانَ متصفحاً لكلام جميع المؤلفين فلم يسلم أحد من القدماء منه إِلاَّ مشدوخاً ولولا هو مَا بقي للعلم ولدرس ودثر من العالم جملة ولكنه أقام آوده وشرح غامضه وبسط مستصحبه وَكَانَ فِي زمانه فلاسفة مات ذكرهم عند ذكره فلم يعرفوا لخمول أسماءهم.
وقال محمد بن إسحاق النديم فِي كتابه ظهر جالينوس بعد ستمائة وخمس وستين سنة من وفاة بقراط وانتهت إِلَيْهِ الرئاسة فِي عصره وهو الثامن من الرؤساء الذين أولهم اسقلبياذس مخترع الطب وَكَانَ معلم جالينوس أرمينس الرومي وأخذ عن اغلوقن وَلَهُ إِلَيْهِ مقالات وبينة وبينه مناظرات وقال جالينوس فِي المقابلة الأولى من كتابه فِي الأخلاق وذكر الوفاء واستحسنه وأتى فِيهِ بذكر القوم الذين نكبوا بأخذ صاحبهم وابتلوا بالمكاره يلتمس منهم أن يبوحوا بمساوئ أصحابهم وذكر معايبهم فامتنعوا من ذَلِكَ وصبروا عَلَى غلظ المكاره وإن ذَلِكَ كَانَ فِي سنة أربع عشرة وخمسمائة للإسكندر وهذا أصح مَا ذكر من أمر جالينوس ووقته وموضعه من الزمان.
وقال قوم آخرون أن جالينوس كَانَ فِي زمن ملوك الطوائف فِي أيام قبان بن شايور بن اصغان ومنذ وفاة جالينوس إِلَى عهدنا هَذَا وهو سنة اثنين وثلاثين وستمائة عَلَى مَا أوجبه الحساب الَّذِي ذكره يحيى النحوي وإسحاق بن حنين بعده ألف ومائة وستون سنة تقريباً.
وَكَانَ جالينوس وجيهاً عند الملوك كثير الوفادة عليهم كثير التنقل فِي البلدان طالباً لمصالح الناس وأكثر أسفاره كَانَ إِلَى مدينة رومية لأم ملكها كَانَ فِي أيامه مجذوماً وَكَانَ يستحضره كثيراً وَكَانَ جالينوس كثيراً مَا يلتقي مع الإسكندر والأفروديسي وَكَانَ الإسكندر يلبه برأس البغل وَقَدْ تقدم ذكر ذَلِكَ قالوا وإنما لقبه بذلك لعظم رأسه وتوفي جالينوس فِي أيام ملوك الطوائف وبين المسيح وبينه سبع وخمسون سنة المسيح عَلَيْهِ السلام أقدم منه.
وسأل رجل عبيد الله بن جبرائيل بن عبيد الله بن بختيشوع المتطبب عن