اتفاق الأمة لَيْسَ فِيهَا حديث المنجم فِي تأثيرات الكواكب وحركات الأفلاك ولا حديث صاحب الطبيعة الناظر فِي آثارها وَمَا يتعلق بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وَمَا الفاعل وَمَا المنفعل منها وكيف تمازجها وتنافرها ولا فِيهَا حديث المهندس الباحث عن مقادير الأشياء ولوازمها ولا حديث المنطقي الباحث عن مراتب الأقوال ومناسب الأسماء والحروف والأفعال قال فعلى هَذَا كَيْفَ يسوغ لإخوان الصفا أن ينصبوا من تلقاء أنفسهم دعوة تجمع حقائق الفلسفة فِي طريق الشريعة عَلَى أن وراء هَذِهِ الطوائف جماعة أيضاً لهم مأخذ من هَذِهِ الأغراض كصاحب العزيمة وصاحب الكيمياء وصاحب الطلسم وعابر الرؤيا ومدعى السحر ومستعمل الوهم فقال ولو كَانَتْ هَذِهِ جائرة لكان الله تعالى ينبه عَلَيْهَا وَكَانَ صاحب الشريعة يقوم شريعته بِهَا ويكملها باستعمالها ويتلافي نقصها بهذه الزيادة الَّتِي تجدها فِي غيرها أَوْ يحض المتفلسفين عَلَى إيضاحها بِهَا ويتقدم إليهم بإتمامها ويفرض عليهم القيام بكل مَا يذب عنها حسب طاقتهم فِيهَا وَلَمْ يفعل ذَلِكَ بنفسه ولا وكله إِلَى غيره من خلفائه والقائمين بدينه بل نهي عن الخوض فِي هَذِهِ الأشياء وكره إِلَى الناس ذكرها وتوعدهم عَلَيْهَا وقال من أتى عرافاً أَوْ كاهناً أَوْ منجماً يطلب غيب الله منه فقد حارب الله ومن حارب الله حُرِب ومن غالبه غلبْ وحتى قال لو أن الله حبس عن ذَلِكَ الناس القطر سبع سنين ثُمَّ أرسله لأصبحت طائفة كافرين يقولون مطرنا بتؤ المجدح وهذا كما ترى - والمجدح - الدبران ثُمَّ قال ولقد اختلفت الأمة ضروباً من الاختلاف فِي الأصول والفروع وتنازعوا فِيهَا فنوناً من التنازع فِي الواضح والمشكل من الأحكام والحلال والحرام والتفسير والتأويل والعيان والخبر والعادة والاصطلاح فما فزعوا فِي من شيء ذَلِكَ إِلَى منجم ولا طبيب ولا منطقي ولا هندسي ولا موسيقي ولا صاحب عزيمة وشعبذة وسحر وكيمبياء لأن الله تعالى تمم الدين بنبيه صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يحوجه بعد البيان الوارد بالوحي إِلَى بيان موضوع بالرأي وقال وكما لَمْ نجد هَذِهِ الأمة تفزع إِلَى أصحاب الفلسفة فِي شيء من أمورها فكذلك مَا وجدنا أمة موسى صلى الله عليه وسلم وهي اليهود تفزع إِلَى الفلاسفة فِي شيء من دينها وكذلك أمة عيسى صلى الله عليه وسلم وهي النصارى وكذلك المجوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015