بعد العدم والنشور بعد الفناء ورأوا أن النفس تهلك بهلاك الجسد وأن الأمور المندوب إِلَيْهَا فِي هَذَا الوجود عَلَى ألسن الأنبياء والأولياء والأوصياء المراد بِهَا حفظ السياسة المدنية الَّتِي يتكلف بِهَا هَذَا النوع عن الَّذِي فضلوا وأضلوا فهؤلاء زنادقة لأن المؤمنين هم الذين آمنوا بالله وباليوم الآخر وبالبعث والنشور وَمَا جاءت بِهِ الكتب عن الله عَلَى لسان نبي نبي .. والفرقة الثالثة الإلهيون وهم المتأخرون من حكماء يونان مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون وأرسطوطاليس تلميذ أفلاطون وأرسطوطاليس هو مرتب هَذِهِ العلوم ومحررها ومقرر قواعدها ومزين فوائدها ومخمر فطيرها ومنضج قديدها وموضح طريق الكلام وتحقيق قوانينه والراد عَلَى من تقدمه من الفرقتين الدهرية والطبيعية والمندد القائم بإظهار فضائحهم وَكَانَ غيره من علماء الفرق بالكلام معهم وشغل الزمان بمناظرتهم ومشاجرتهم ثُمَّ أن أرسطوطاليس رأى كلام شيخه أفلاطون وشيخ شيخه سقراط فِي مناظرة القوم فوجد كلام شيخه مدخول الحجج متزلزل القواعد غير محكم البينة فِي الرد والمنع فهذبه ورتبه وحققه ونمقه وأسقط مَا ضعف منه وأتي فِي الجواب بالأقوى وسلك فِي كل ذَلِكَ سبيل المجاهدة والتقوى فجاء كلامه أنصع كلام وأسد كلام وأحكم كلام وكفى المؤمنين القتال مع تِلْكَ الفرق الأنذال غير أنه لما جال فِي هَذَا البر برأيه غير مستند إِلَى كتاب منزل ولا إِلَى قول نبي مرسل ضل فِي الطريق وفاتته أمور لَمْ يصل عقله إِلَيْهَا حالة التحقيق وهي بقايا استبقاها من رذائل كفر المتقدمين فكفر بِهَا وزادته فكرته عند النظر فِي كلامهم شهياً وإذا أنعم المنصف النظر فِي كلام أرسطوطاليس المنقول إلينا تحقق مَا ذكرته وتبين حقيقة مَا سطرته من نقل كلامه من اليونانية إِلَى الرومية وإلى السريانية وإلى الفارسية وإلى العربية حرّف وجزّف وظن بنقله الأنصاف وَمَا أنصف وأقرب الجماعة حالا فِي تفهيم مقاصده فِي كلامه الفارابي أبو نصر وابن سينا فإنهما دققا وحققا فحملا علمه عَلَى الوجه المقصود وأعذبا منه لوارده مهله المورود ووافقاه عَلَى شيء من أصوله فكفروا بكفره وجعل قدرهما بيم أهل الشهادة كقدره ولو قصدوا الرد عَلَيْهِ كما فعل صاحب المعتبر لسلما ولكن مَا الحيلة فِي رد القدر.