فقال لَهُ أبو قريش علينا الاجتهاد والله يهب السلامة فاغتاظ من هَذَا فقال لَهُ الربيع قَدْ وصف لنا بنهر صرصر طبيب ماهر يقال لَهُ يشوع بن نصر فأمر بإحضاره وبفتل هؤلاء المجتمعين فلم يفعل الربيع ذَلِكَ لعلمه باختلاط عقله من شدة المرض بل أرسل إِلَى نهر صرصر وأحضر المتكبب ولما أدخل إِلَى أمير المؤمنين قال لَهُ رأيت القارورة قال نعم يَا أمير المؤمنين هو ذا أعمل لَكَ دواء تأخذه وإذا كَانَ عَلَى تسع ساعات تبرأ وتخلص وخرج من عنده وقال للأطباء لا تشغلوا قلوبكم فِي هَذَا اليوم تنصرفون إِلَى منازلكم وَكَانَ الهادي قَدْ أمر لَهُ بعشرة آلاف درهم لبتاع لَهُ بِهَا الدواء فأخذها وسيرها إِلَى بيته وأحضر أدوية وجمع الأطباء بالقرب من موضع الهادي وقال لهم دقوا حَتَّى يسمع ويسكن فإنكم فِي آخر النهار تتخلصون وكل ساعة يدعو بِهِ الهادي ويسأله عن الدواء فيقول هو ذا تسمع صوت الدق فيسكت ولما كَانَ بعد تسع ساعات مات وتخلص الأطباء .. ومن أخبار أبي قريش هَذَا مَا رواه يوسف بن إبراهيم ابن عيسى بن الحكم المتطبب قال لحم عيسى بن جعفر المنصور وكثر لحمه حَتَّى كاد يأتي عَلَى نفسه وأن الرشيد اغتم لذلك غماً شديداً وأمر المتطببين بمعالجته وكل منهم دفه أن يعرف فِي هَذَا حيلة وأن عيسى المعروف بأبي قريش سار إِلَى الرشيد وقال هل أن ابن عمك رزق معدة صحيحة وبدناً قابلاً للغذاء وجميع أموره جارية بما يحب والأبدان متى لَمْ تخلط عَلَى أصحابها طبائعهم وأحوالهم فتنال أبدانهم العلل فِي بعض الأوقات والغموم فِي بعضها والمكاره فِي وقت لَمْ يؤمن عَلَى أصحابها زيادة اللحم حَتَّى تضعف عن حمله العظام ويعجز فعل النفس وتبطل قوة الدماغ وهو يؤدي إِلَى عدم الحياة وابن عمك إن لَمْ تظهر التجني عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تقصده بما يغمه من حيازة مال أَوْ أخذ عزيز من خدمه لَمْ يؤمن تزيد هَذَا اللحم حَتَّى يهلك نفسه فقال الرشيد لَهُ أنا أعلم أن الَّذِي ذكرت صحيح لا ريب فِيهِ غير أنه لا حيلة عندي فِي التغير لَهُ أَوْ غمه بما ينهك جسمه فإن كَانَتْ عندك حيلة فِي أمرها فاعملها فإني أكافئك متى رأيت لحمه انحط بعشرة آلاف دينار وآخذ لَكَ منه مثله فقال أبو قريش عندي حيلة فِي مائة إِلاَّ أني أخاف أن يعجل علي فليوجه معي أمير المؤمنين خادماً جليلاً من خدمه حَتَّى يمنعه من العجلة بقتلي ففعل الرشيد ذَلِكَ فلما دخل عَلَى عيسى
بن جعفر أخذ ينبضه وأعلمه انه يحتاج أن يجس نبضه ثلاثة أيام قبل أن يذكر العلاج فانصرف وعاد إِلَيْهِ يومين آخرين وفعل بِهِ مثل ذَلِكَ وقال يه فِي اليوم الثالث أن الوصية أعز الله الأمير مباركة وهي غير مقدمة ولا مؤخرة وأرى أن الأمير يعهد فإن لَمْ يحدث حادث قبل أربعين يوماً عالجته بعلاج يبرأ فِي ثلاثة أيام ونهض من عنده وَقَدْ أودع قلبه من الحزن مَا امتنع معه من أكثر القرار والنوم واستتر أبو قريش خوفاً من إعلام الرشيد لعيسى بن جعفر بتدبيره فيفسد مَا بناه فلم تمض الأربعون يوماً إِلاَّ وَقَدْ انحطت منطقته خمس بشيزكان فلما كَانَ اليوم الأربعون صار أبو قريش إِلَى الرشيد وأعلمه أنه لا يشك فِي نقصان بدن ابن عمه وسأله الركوب إِلَيْهِ فركب الرشيد ودخل معه أبو قريش فلما رآه عيسى قال للرشيد أطلق لي يَا أمير المؤمنين قتل هَذَا الكافر فقد قتلني وأحضر منطقته وشدها وقال يَا أمير المؤمنين قَدْ نقص بدني هَذَا القدر بما أدخل عَلَى قلبي من الاستشعار المردي فسجد الرشيد شكراً لله تعالى وقال يَا بن عن إن أبا قريش رد عَلَيْكَ الحياة ونعم مَا احتال وَقَدْ أمرت لَهُ بعشرة آلاف دينار فأعطه من عندك مثلها ففعل عيسى بن جعفر ذَلِكَ وانصرف أبو قريش بعشرين ألف دينار .. ومن اخباره مَا رواه العباس بن علي بن المهدي أن الرشيد كَانَ قَدْ اتخذ جامعاً فِي بستان أم موسى وأمر إخوته وأهل بيته بحضوره فِي كل جمعة ليتولى الصلاة بهم فحضر الرشيد يوماً فِي ذَلِكَ البستان وحضر والدي عَلَى العادة هناك وَكَانَ يوماً شديد الحر وصلى فِي الجامع مع الرشيد وانصرف إِلَى دار لَهُ بسوق يحيى فأكسبه حر ذَلِكَ اليوم صداعاً كاد يذهب بصره فأحضر لَهُ جميع أطباء مدينة السلام وكان أحد من حضر أبا قريش هَذَا فرآهم وَقَدْ اجتمعوا للمناظرة فقال لَيْسَ يتفق لكم رأي حَتَّى يذهب بصر هَذَا ثُمَّ دعا بدهن بنفسج وماء ورد وخل خمر وجعلها فِي مضربة وضربها عَلَى راحته حَتَّى اختلط الجميع ووضعها عَلَى وسط رأسه وأمره بالصبر عَلَيْهِ حَتَّى ينشفه الرأس ثُمَّ زاده راحة أخرى فلما فعل ذَلِكَ ثلاث مرات سكن الصداع وعوفي وانصرف الأطباء وَقَدْ خجلوا منه .. ومن أخباره أن إبراهيم بن المهدي اعتل بالرقة من أعمال الجزيرة مع الرشيد علة صعبة فأمر الرشيد بإحضاره إِلَى والدته بمدينة السلام وَكَانَ بختيشوع حد بختيشوع الثاني يزاوله ويتولى علاجه ثُمَّ قدم الرشيد إِلَى مدينة السلام ومعه عيسى أبو قريش فأتي أبو قريش بن المهدي عائداً فرأى العلة قَدْ أذهبت لحمه وإذا ذابت شحمه فأصارته إِلَى اليأس من نفسه وَكَانَ أعظم مَا عَلَيْهِ فِي علته شدة الحمية قال إبراهيم فقال لي عيسى وحق المهدي لأعالجنك غداً علاجاً يكون فِيهِ برؤك قبل خروجي من عندك ثُمَّ دعا بالقهرمان بعد خروجه من عنده وقال لا تدع بمدينة السلام أسمن من ثلاثة فراريج كسكرية تذبحها الساعة وتعلقها فِي ريشها حَتَّى آمرك فِيهَا بأمري فِي غد إن شاء الله قال إبراهيم ثُمَّ بكر إِلَى أبو قريش عيسى ومعه ثلاث بطيخات رامشية قَدْ بردها فِي الثلج فِي ليلة ذَلِكَ اليوم ثُمَّ دعا بسكين فقطع لي من إحدى البطيخات قطعة ثُمَّ قال لي كل هَذِهِ القطعة فأعلمته أن بختيشوع يحميني من رائحة البطيخ فقال لي لذلك طالت علتك كل فإنه لا بأس عَلَيْكَ قال فأكلت القطعة بالتذاذ مني لَهَا ثُمَّ أمرني بالأكل فلم أزل آكل حَتَّى استوفيت بطيختين ثُمَّ قطع من الثالثة قطعة وقال جميع مَا أكلت للذة فكل هَذِهِ القطعة للعلاج فأكلتها بتكره فقطع لي أخرى وأومأ إِلَى الغلمان بإحضار الطشت فذرعني القيء فأحسبني تقيأت أربعة أضعاف مَا أكلت من البطيخ وكل ذَلِكَ مرة صفراء ثُمَّ أغمي عليَّ بعد ذَلِكَ وغلب عليَّ العرق فلم أزل فِي عرق متصل إِلَى أن صلى الظهر ثُمَّ انتبهت وَمَا أعقل جوعاً فدعوت بشيء آكله فأحضرني الفراريج وَقَدْ طبخ لي منها سكباجاً أجادها وأطلبها فأكلت منها حَتَّى تضلعت ونمت بعد أكلي إياها إِلَى آخر وقت العصر ثُمَّ قمت وَمَا أجد منت العلة إِلاَّ قليلاً ولا كثيراً فاتصل بي البرء وَمَا عادت لَكَ العلة من ذَلِكَ اليوم. جعفر أخذ ينبضه وأعلمه انه يحتاج أن يجس نبضه ثلاثة أيام قبل أن يذكر العلاج فانصرف وعاد إِلَيْهِ يومين آخرين وفعل بِهِ مثل ذَلِكَ وقال له فِي اليوم