كتب علم مفرد وطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت مَا احتجت إِلَيْهِ ورأت من الكتب مَا لا يقع اسمه إِلَى كثير من الناس قط ولا رأيته قط ولا رأيته أيضاً من بعد قرأت تِلْكَ الكتب وظهرت فوائدها وعرفت مرتبة كل رجل فِي علمه فلما بلغت ثمان عشرة سنة من عمري فرفعت من هَذِهِ العلوم كلها وكتب وكنت إذ ذَاكَ للعلم أحفظ ولكنه اليوم معي أنضج وإلا فالعلم واحد لَمْ يتجدد لي بعده شيء وَكَانَ فِي جواري رجل سيقال لَهُ أبو الحس الروضي فسألني أن أؤلف لَهُ كتاباً جامعاً فِي هَذَا العلم فصنفت لَهُ المجموع وسميته بِهِ وأتيت فِيهِ عَلَى سائر العلوم سوى الرياضي ولي إذ ذَاكَ إحدى وعشرون سنة من عمري وَكَانَ فِي جواري أيضاً رجل يقال لَهُ أبو بكر البرقي خوارزمي المولد فقيه النفس متوحد فِي الفقه والتفسير والزهد مائل إِلَى هَذِهِ العلوم فسألني شرح الكتب لَهُ فصنفت لَهُ. كتاب الحاصل والمحصول فِي قريب من عشرين مجلدة وصنفت لَهُ فِي الأخلاق كتاباً سميته. كتاب البر والإثم وهذان الكتابان لا يوجدان إِلاَّ عنده فلم يعرفهما أحد ينتسخ منهما ثُمَّ مات والدي وتصوفت فِي الأحوال وتقلدت شيئاً من أعمال السلطان ودعتني الضرورة إِلَى الارتحال عن بخارى والانتقال إِلَى كركاتج وَكَانَ أبو الحسين السهلي النحب لهذه العلوم بِهَا وزيراً وقدمت إِلَى الأمير بِهَا وهو عَلي بن المأمون وكنت عَلَى زي الفقهاء إذ ذَاكَ بطليسان وتحت الحك وأثبتوا إِلَى مشاهرة دارة تقوم بكفاية مثلي ثُمَّ دعت الضرورة إِلَى الانتقال إِلَى فسا ومنها إِلَى بارود ومنها إِلَى طوس ومنها إِلَى شقان ومنها إِلَى سمنقال ومنها إِلَى جاجرم رأس حد خراسان ومنها إِلَى جرجان وكل قصدي الأمير قابوس فاتفق فِي أثناء هَذَا أخذ قابوس وحبسه فِي بعض القلاع وموته هناك ثُمَّ مضيت إِلَى دهستان ومرضت بِهَا مرضاً صعباً وعدت إِلَى جرجان واتصل أبو عبيد الجوزجاني بي وأنشأت فِي حالي قصيدة فِيهَا بيت القائل:
فأعظمت فليس مصر واسمي ... لما غلا ثمني عدمت المشتري
قال أبو عبيد الجوزجاني صاحب الشيخ الرئيس إِلَى ها هنا انتهى مَا حكاه الشيخ عن نفسه .. قال ومن هَذَا الموضع اذكر أنا مَا شاهدته من أحواله فِي حال صحبتي