وكانا ربما تذاكرا بينهما وأنا أسمع منهما وأدرك مَا يقولانه وابتدءا يدعوانني أيضاً ويجريان عَلَى لشانهما ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الهند واخذ والدي يوجهني إِلَى رجل كَانَ يبيع البقل ويقوم بحساب الهند حَتَّى أتعلم منه ثُمَّ جاء إِلَى بخارى أبو عبد الله الناتلي وَكَانَ يدعي الفلسفة وأنزله إِلَى دارنا رجاء تعلمي منه وقبل قدومه كتب اشتغل بالفقه والتردد فِيهِ إِلَى إسماعيل الزاهد وكنت من خيرة السائلين وَقَدْ ألفت طرق المطالبة ووجوه الاعتراض عَلَى الوجه الَّذِي جرت عادة القوم بِهِ ثُمَّ ابتدأت بكتاب ايساغوجي عَلَى الناتلي ولما ذكر لي حد الجلس أنه هو المقول عَلَى كثيرين مختلفين بالنوع فِي جواب مَا هو فأخذت فِي تحقيق هَذَا الحد بما لَمْ يسمع بمثله وتعجب مني كل العجب وحذر والدي من شغلي بغير العلم وَكَانَ أي مسألة قالها أتصورها خيراً منه حَتَّى قرأت ظواهر المنطق عَلَيْهِ وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبر ثُمَّ أخذت أقرأ الكتب عَلَى نفسي وأطالع الشروح حَتَّى أحكمت علم المنطق وكذلك كتاب إقليدس فقرأت من أوله خمسة أشكال أَوْ ستة عَلَيْهِ ثُمَّ توليت حل بقية الكتاب بأسره ثُمَّ انتقلت إلى المجسطي ولما فرغت من مقدماته وانتهيت إِلَى الأشكال الهندسية قال لي الناتلي تول قراءتها وحلها بنفسك ثُمَّ اعرض علي مَا تقرأه لأبين لَكَ صوابه من خطأه وَمَا كَانَ الرجل يقول بالكتاب وأخذت أحل ذَلِكَ الكتاب فكم من شكل مشكل مَا عرفه إِلاَّ وقت مَا عرضته عَلَيْهِ وفهمته إياه ثُمَّ فارقني الناتلي متوجهاً إِلَى كركاتج واشتغلت أنا بتحصيل الكتب من الفصوص والشروح من الطبيعي والإلهي وصارت أبواب العلوم تنفتح علي ثُمَّ رغبت فِي علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فِيهِ وعلم الطب لَيْسَ من العلوم الصعبة فلا جرم أنني برزت فِيهِ فِي أقل مدة حَتَّى بدأ فضلاء الطب يقرؤون عَلَى علم الطب وتعهدت المرضى فانفتح عَلَي من أبواب المعالجات المقتبسة من التجربة بِهِ مَا لا يوصف وأنا مع ذَلِكَ أختلف إِلَى الفقه وأناظر بِهِ وأنا فِي هَذَا الوقت من أبناء ست عشرة سنة ثن توفرت عَلَى القراءة سنة ونصفاً فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة وَفِي هَذِهِ المدة مَا تمن ليلة واحدة بطولها ولا اشتغلت فِي النهار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015