عَلَيْهِ من ذَلِكَ مَا أذهله وبقي لا يدري مَا الَّذِي فِي أيدي الناس وَمَا لهم عَلَيْهِ مع مَا دخله من الجزع عَلَى ابنه فلم يدع بمدينة السلام طبيباً إِلاَّ ركب إِلَيْهِ واستركبه لينظر ابنه ويشير عَلَيْهِ من أمره بعلاج فلم يجبه كثير من الأطباء لكبر العلة وخطرها إِلَى الحضور معه ومن أجابه منهم فلم يجد عنده كبير غناء فقيل لَهُ أنت فِي جوار فيلسوف زمانه وأعلم الناس بعلاج هَذِهِ العلة فلو قصدته لوجدت عنده مَا تحب فدعته الضرورة إِلَى أن تحمل عَلَى الكندي بأحد إخوانه فثقل عَلَيْهِ فِي الحضور فأجاب وصار إِلَى منزل التاجر فلما رأى ابنه وأخذ مجسه أمر بأن يحضر إِلَيْهِ من تلاميذه فِي علم الموسيقى من قَدْ أنعم الحذق بضرب العود وعرف الطرائق المحزنة والمزعجة والمقوية للقلوب والنفوس فحضر إِلَيْهِ منهم أربعة نفر فأمرهم أن يديموا الضرب عند رأسه وأن يأخذوا فِي طريفة أوقفهم عَلَيْهَا وأراهم مواقع النغم بِهَا من أصابعهم عَلَى الدساتين وثقلها فلو يزالوا يضربون فِي تِلْكَ الطريقة والكندي آخذ مجس الغلام وهو فِي خلال ذَلِكَ يمتد نفسه ويقوى نبضه ويراجع إِلَيْهِ نفسه شيئاً بعد شيء إِلَى أن تحرك ثُمَّ جلس وتكلم وأولئك يضربون فِي تِلْكَ الطريقة دائماً لا يفترون فقال الكندي لأبيه سل ابنك عم علم مَا تحتاج إِلَى علمه ممالك وعليك وأثبته فجعل الرجل يسأله وهو يخبره ويكتب شيئاً بعد شيء فلما أتى عَلَى جميع مَا يحتاج إِلَيْهِ غفل الضاربون عن تِلْكَ الطريقة الَّتِي كانوا يضربونها وفتروا فعاد الصبي إِلَى الحال الأولى وغشيه السكات فسأله أبوه أن يأمرهم بمعاودة ما كانوا يضربون بِهِ فقال هيهات إنما كَانَتْ صبابة قَدْ بقيت من حياته ولا يمكن فِيهَا مَا جرى ولا سبيل لي ولا لأحد من البشر إِلَى الزيادة فِي مدة من قَدْ انقطعت مدته إذ قَدْ استوفي العطية والقسم الَّذِي قسم الله لَهُ.

قال أبو معشر وَكَانَتْ عَلَى يعقوب بن إسحاق أنه كَانَ فِي ركبته خام وَكَانَ يشرب لَهُ الشراب العتيق فيصلح فتاب من الشراب وشرب شراب العسل فلم تنفتح لَهُ أفواه العروق وَلَمْ يصل إِلَى أعماق البدن وأسافله شيء من حرارته فقوي الخام فأوجع العصب وجعاً شديداً حَتَّى تأتى ذَلِكَ الوجع إِلَى الرأس والدماغ فمات الرجل لأن الأعصاب أصلها من الدماغ.

يعقوب بن طارق المنجم كَانَ مشهوراً بَيْنَ أهل هَذِهِ الصناعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015