المحاسن وديوان المعاني والمآثر ليودعه أدام الله تمكينه منها مَا يراه ويلحق مَا يستوقفه ويرضاه وَعَلَى ذكره فما رأيت أحداً بمصر وهذه الأعمال أكثر من الراغب فِيهِ وكل رئيس فِي هَذِهِ الديار متشوق إِلَيْهِ متشوف لوصوله مترقب متوقع ولو وصلت منه نسخة بلغ الجالب لَهَا أمنيته فِي ريحها ونفعها وإلى الله تعالى أرغب فِي نشر فضيلته الباهرة ومحاسنه الزاهرة بجوده وكنت خرجت من بغداد وبدأت بلقاء مشايخ البلاد وخواصها واستملاء مَا عندهم من آثارها وعجائبها فذكر لي أخبار مستطرقة وعجائب غريبة وأقطاع من الشعر رائفة ولضيق الوقت وسرعة الرسول أضربت عن أكثره واقتصرت عن أقله وكنت خرجت عَلَى اسم الله تعالى وبركته مستهل شهر رمضان سنة أربعين وأربعمائة مصعداً فِي نهر عيسى عَلَى الأنبار ووصلت إِلَى الرحبة بعد تسع عشرة رحلة وهي مدينة طيبة وفيها من أنواع الفواكه مَا لا يحصى وبها تسعة عشر نوعاً من الأعناب وهي متوسطة بَيْنَ الأنبار وحلب وتكريت والموصل وسنجار والجزيرة وبينها وبين قصر الرصافة مسيرة أربعة أيام ورحلنا من الرصافة إِلَى حلب فِي أربع رحلات وهي بلد بالحجر الأبيض فِيهِ ستة أبواب وَفِي جانب السور قلعة فِي أعلاها مسجد وكنيستان وَفِي إحداهما مكان المذبح الَّذِي كَانَ قرب عَلَيْهِ إبراهيم عَلَيْهِ السلام وَفِي أسفل القلعة مغارة كَانَ يخبأ فِيهَا غنمه وإذا حليها أضاف بلبتها الناس فكانوا يقولون حلب أم لا ويسأل بعضهم بعضاً عن ذَلِكَ فسميت حلب وَفِي البلد جامع وست بيع وبيمارستان صغير والفقهاء يفننون عَلَى مذهب الإمامية وشرب أهل البلد من صهاريج وَعَلَى بابه نهر يعرف بقويق يمد فِي الشتاء وينضب فِي الصيف وَفِي وسط البلد دار علوة صاحبة البحتري وهو قليل الفاكهة والبقول والنبيذ إِلاَّ مَا يأتيه من الروم وَمَا بحلب موضع خراب ومنه خرجنا من حلب طالبين أنطاكية وبين حلب وبينها يوم وليلة فبتنا فِي بلدة للروم تعرف بعم فِيهَا عين جارية يصاد منها السمك ويدور عَلَيْهَا رحا وفيها من الخنازير والنساء العواهر والزنا والخمور أمر عظيم وفيها أربع كنائس وجامع يؤذن فِيهَا سراً والمسافة الَّتِي بَيْنَ حلب وأنطاكية أرض مَا فِيهَا خراب أصلاً إِلاَّ أرض زرع للحنطة والشعير بجنب شجر الزيتون وقراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها متفجرة وأنطاكية بلد عظيم ذو سور وفصيل ولسوره ثلاثمائة وستون برجاً يطوف عَلَيْهَا بنوبة أربعة آلاف حارس ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك فيضمنون حراسة