والثاني السوفسطائي وأصحابه ويوحنا وجماعة من الطباء وجرى بينهم من المسائل والتعريفات مَا إذا تأملها القارئ لَهَا استدل عَلَى فضلهم وغزارة عالمهم وَلَمْ يزالوا كذلك حَتَّى ولي المنصور الخلافة وبنى مدينة السلام فعرض لَهُ مرض فاستدعى منهم جورجيس ابن بختيشوع عَلَى مَا يرد فِي خبره إن شاء الله تعالى.
ولما كَانَ فِي سنة خمس وسبعين ومائة مرض جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك فتقدم الرشيد إِلَى يختيشوع بأن يخدمه وذلك أن من أدب الطبيب إذَا كَانَ خاصاً بالملك أن لا يخدم أحداً من أصحابه إِلاَّ بأمره ولما أفاق جعفر من مرضه قال لبختيشوع أريد أن تختار لي طبيباً ماهراً أكرمه وأحسن إِلَيْهِ قال لَهُ بختيشوع لست أعرف فِي هؤلاء أحذق من ابن جبرائيل وهو أمهر مني فِي الصناعة فقال لَهُ جعفر أحضرنيه فلما أحضره شكى إِلَيْهِ مرضاً كَانَ يخفيه فدبره فِي مدة ثلاثة أيام وبرأ فأحبه جعفر مثل نفسه وَكَانَ لا يصبر عنه ساعة ومعه يأكل ويشرب.
وفي بعض الأيام تمطت حظية للرشيد ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها والأطباء يعالجونها بالتمريخ والأدهان فلا ينفع ذَاكَ شيئاً فقال الرشيد لجعفر بن يحيى قَدْ بقيت هَذِهِ الصبية بعلتها قال لَهُ جعفر لي طبيب ماهر وهو ابن بختيشوع تدعوه وتخاطبه فِي معنى هَذَا المرض فلعل عنده حيلة فِي علاجه فأنمر بإحضاره ولما حضر قال لَهُ الرشيد مَا اسمك قال جبرائيل قال أي شيء تعرف من الطب قال أبرد الحار وأسخن البارد وأرطب اليابس وأجفف الرطب الخارج عن الطبع فضحك الرشيد وقال هَذَا غاية مَا يحتاج إِلَيْهِ فِي صناعة الطب ثُمَّ شرح لَهُ حال الصبية فقال جبرائيل إن لَمْ يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة قال لَهُ الرشيد مَا هي قال تخرج الجارية إِلَى ههنا بحضرة الجميع حَتَّى أعمل مَا أريده وتمهل علي ولا تعجل بالسخط فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت وحين رآها جبرائيل أسرع إليها ونكس رأسه وأمسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها فانزعجت الجارية ومن شدة الحياء والانزعاج استرسلت أعضائها وبسطت يدها إِلَى أسفل وأمسكت ذيلها فقال جبرائيل قَدْ برأت يَا أمير المؤمنين فقال الرشيد للجارية ابسطي يدك يمنة ويسرة ففعلت فعجب الرشيد وكل من كَانَ حاضراً وأمر لجبرائيل فِي الوقت بخمسمائة ألف درهم وأحبه وجعله رئيساً عَلَى جميع