تَجِيءُ بِمَطَرٍ خَفِيفٍ، قَالَ: وَكَانَ مَحْلُولَ الإِزَارِ، وَكِسَاؤُهُ كَذَا مَائِلٌ عَلَى شِقِّهِ، قَالَ: فَنَادَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ لِلْمَهْدِيِّ: أَوَ فِي الْحَقِّ هَذَا أَنْ تَكُونَ فِي الْكِنِّ وَنَحْنُ فِي الْمَطَرِ؟ قَالَ: فَضَحِكَ الْمَهْدِيُّ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا تَعْرِفُ مَنْ هَذَا؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْمَهْدِيُّ: ادْخُلْ يَا عَمُّ، ادْخُلْ، قَالَ: فَدَخَلَ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْبَابَ وَصَارَ فِي الْبَيْتِ جَلَسَ مَكَانَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْمَهْدِيُّ يَقُولُ: ارْتَفِعْ إِلَيْنَا هَاهُنَا يَا عَمُّ، إِنَّا لَمْ نُثْبِتُكَ، قَالَ: فَقَالَ: مَكَانِي صَالِحٌ، لَسْتُ أُرِيدُ الْكَرَامَةَ بِالْمَعْرِفَةِ، قَالَ: وَكَانَ قَدْ أُخِذَ لَهُ طَعَامٌ، فَقَالَ لَهُ الْمَهْدِيُّ: إِنَّ طَعَامَكَ أُخِذَ وَالطَّعَامُ رَخِيصٌ، وَالطَّعَامُ الْيَوْمَ قَدِ ارْتَفَعَ، قَالَ: مَا أَنْتَ مِنْ غَلائِهِ وَمِنْ رُخْصِهِ، أَعْطِنِي طَعَامًا مِثْلَ طَعَامِي، قَالَ: وَجَعَلَ الْمَهْدِيُّ يَضْحَكُ، إِذْ جَاءَ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا.
فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ لَهُ الْمَهْدِيُّ: أَلا تُعِينُنَا عَلَى أَخِيكَ؟ قَالَ: أَيُّ إِخْوَانِي؟ قَالَ: سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ فَيَصْنَعُ مَاذَا؟ قَالَ: نَبْعَثُ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنَّا نَسْتَشِيرُهُ فِي الأَمْرِ، وَنَقْبَلُ مَا يُشِيرُ عَلَيْنَا، قَالَ: إِذًا تَكُونُ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَيَّ.
قَالَ الْمَهْدِيُّ: كَيْفَ تَكُونُ لَهُ الْحُجَّةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ: إِنْ عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا فَجَاءَهُمْ مَا لا يَعْلَمُونَ فَاحْتَاجُوا إِلَيَّ فِيهِ، مَاذَا كُنْتَ قَائِلا لَهُ؟ !