فَدَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ: يَابْنَ أَنْعُمٍ، أَمَا تَحْمَدُ رَبًّا أَرَاحَكَ مِنْ بَابِ هِشَامٍ، وَذَوِي هِشَامٍ، وَمَا كُنْتَ تَرَى بِأَبْوَابِهِمْ؟ قَالَ: فَقَالَ، قَلَّ شَيْءٌ كُنْتُ أَرَاهُ بِبَابِ هِشَامٍ إِلا وَأَنَا أَرَى مِنْهُ الْيَوْمَ طَرَفًا، قَالَ: فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ فَسَكَتُّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا منَعَكَ أَنْ تَرْفَعَ ذَاكَ إِلَيْنَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَكَ عِنْدَنَا مَقْبُولٌ؟ ! قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ السُّلْطَانَ سُوقًا، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ إِلَى كُلِّ سُوقٍ مَا يَجُوزُ فِيهَا.
قَالَ: فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَأَنَّكَ قَدْ كَرِهْتَ صُحْبَتَنَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ، مَا يُصَابُ الْمَالُ وَالشَّرَفُ إِلا مِنْ صُحْبَتِكَ وَصُحْبَةِ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ عَجُوزًا لِي كَبِيرَةً وَإِنِّي أُحِبُّ الرُّجُوعَ إِلَيْهَا، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ أَذِنَّا لَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ.
118 - وَسَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ شُجَاعٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمَهْدِيِّ فَقُلْتُ: احْمِلْ للَّهِ مَا أُكَلِّمُكَ بِهِ، فَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِكَلامِهِ أَحْمَلُهُمْ لِغِلْظَةِ النَّصِيحَةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَجَدِيرٌ مَنْ لَهُ قَرَابَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرِثَ أَخْلاقَهُ، وَيَأْتَمَّ بِهَدْيِهِ، وَقَدْ وَرَّثَكَ اللَّهُ مِنْ فَهْمِ الْعِلْمِ، وَإِنَارَةِ الْحُجَّةِ مِيرَاثًا قَطَعَ بِهِ عُذْرَكَ، فَمَهْمَا أَوْعَيْتَ مِنْ حُجَّةٍ، أَوْ رَكِبْتَ مِنْ شُبْهَةٍ لَمْ