من فاتر العينين ير ... دع خطوه ردف ثقيل

فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمع ما تقول

لعذرتني ورأيت ما ... آتي هو الحسن الجميل

65- أبو هفان قال: حدثني خالي مسلمة بن مهزم قال: لقيت أبا العتاهية فقلت: من أشعر الناس؟ قال: جاهليا أم إسلاميا أم مولدا؛ قلت: كل ذلك. قال الذي يقول في المدح:

إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني

وإن جرت الأقدار منا بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني

والذي يقول في الهجاء:

وما أبقيت من عيلان إلا ... كما أبقت من البظر المواسي

وما حامت عن الأحساب إلا ... لترفع ذكرها بأبي نواس

والذي يقول في الزهد:

وما الناس إلا هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق

فقلت: هذا كله لأبي نواس. قال: هو ذاك. قال: ثم لقيت العتابي فسألته ذلك السؤال فأجابني بمثل ذلك الجواب كأنهما اتفقا على شيء واحد.

66- أبو هفان قال: حدثني الحسن بن بشير الخفاف عن عبد العزيز بن يحيى المكي العلامة قال: قال لي سفيان بن عيينة: يا أهل العراق ما أشعرك صاحبكم، ثم أنشد هذا البيت:

يسقيكها من بني العباد رشا ... منتسب عيده إلى الأحد

وهذا البيت في هذه القصيدة:

أحسن عندي من انكبابك بالفه ... ر ملحا به على وتد

وقوف ريحانة على أذن ... وسير كأس إلى فم بيد

يسقيكها من بني العباد رشا ... منتسب عيده إلى الأحد

إذا جرى الماء فوقها حببا ... صلب فوق الجبين بالزبد

فذاك أشهى من الوقوف على ال ... ربع وأنمى للروح والجسد

67- أبو هفان قال: وحدثت أنه أشيع عن أبي نواس أنه أناب ونزع عما كان عليه من الفسق وشرب الخمر وأنه قد زهد في اللذات واطرحها وأظهر تألها وندما على ما فرط منه. فأقبل إليه إخوانه يهنئونه بذلك. وجعل يكذب قولهم ويعتذر مما بلغهم، فلما كثر عليه ذلك جعل لا يأتيه أحد إلا شرب بين يديه قدحا من خمر لينفي عن نفسه التوبة، ثم أنشأ يقول:

قالوا نزعت ولما يعلموا وطري ... في كل أغيد ساجي الطرف مياس

كيف النزوع وقلبي قد تقسمه ... لحظ العيون ولوح الخمر في الكاس

إذا عزمت على رشد تكنفني ... قلبان قد شغلا يسري وإفلاسي

فاليسر في القصف للآيات مبتذل ... والعذر في وصل من أهوى من الناس

لا خير في العيش إلا بالمجون مع ال ... غزلان والحور والريحان والآس

ومسمع يتغنى والكؤوس لها ... حث علينا بأخماس وأسداس

يا موري الزند قد أعيت قوادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس

68- أبو هفان قال: حدثني النميري: أن أبا نواس حضر مجلس الهيثم بن عدي وهو يملي على أصحابه الحديث وكان عليه خز وخف أحمر، فتوهمه الهيثم بعض الخلعاء أو الشطار فاستهان بمكانه ولم يسأله عن شأنه، فقعد هنيهة ثم نهض، فسأل الهيثم أصحابه عنه فقالوا: هذا أبو نواس، قال: أستعيذ بالله من شره، ثم نهض فوره مع جميع أصحابه إلى منزل أبي نواس ليعتذر إليه. فقرع الباب فأذن له وهو متشح بورسية، قاعد يعالج قدرا، ونبيذه مصفوف في صدر بيته والطنبور في ناحية، فقال له الهيثم: المعذرة إليك من التقصير وإن كان إنما وقع قبل المعرفة، ولو عرفتك للقيتك بما تستحقه، قال: قد قبلت عذرك. قال: فتؤمنني من شيء لعلك تذكرني به وتنسبني إلبه، قال: أما في الذي أستأنفه فنعم، ولكن قد تقدم من ذلك ما لا سبيل إلى رده وإلغائه، قال: وما هو؟ قال: قلت:

يا هيثم بن عدي لست للعرب ... ولست من طيء إلا على سغب

إذا نسبت عديا في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين النسب

كأنني بك فوق الجسر منتصبا ... على جواد قريب منك في الحسب

حتى نراك وقد درعته قمصا ... من الصديد مكان اللبد والركب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015