وكانت أمه أهوازية يقال لها جلبان وأبوه من جند مروان بن محمد من أهل دمشق وكان فيمن قدم الأهواز أيام مروان للرباط والشحنة فتزوج بجلبان فأولدها عدة أولاد منهم أبو نواس، وأبو معاذ مؤدب فرج الرخجي فنقلته أمه إلى البصرة وهو ابن ست سنين فلما شب أسلمته لمن يقطع العود ثم خرج مع أستاذه العطار يحمل عطرا للنجاشي وإلى الأهواز للمنصور فانقطع إلى والبة بن الحباب الشاعر وهو ابن عم النجاشي وكان والبة قد قدم في ذلك الوقت على النجاشي، ووالبة الكوفي فلم يزل معه ثم لزم بعد ذلك خلفا الأحمر بالبصرة.
وهو أبو علي الحسن بن هانئ بن الصباح مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان.
59- سألت يوسف ابن الداية عن مولد أبي نواس فأخبرني أن أبا نواس ولد سنة أربعين ومائة وأن أباه توفي بعد ما أتت له عشر سنين وأن أمه أسلمته في قطع العود الذي يتبخر به بالأهواز وأنه انتقل إلى البصرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة فتأدب في مجالسها وكان أكثر اختلافه إلى خلف الأحمر في تعلم النحو والشعر وكان خلف أستاذه فأتي خلفا يوما فقال له: اسمع مني قصيدة رثيتك بها وأنشده:
أودى جماع العلم مذ أودى خلف
فقال له: ويلك ما حملك على أن رثيتني وأنا حي؟ قال: أردت ان أعلم هل قرح شعري أم لا، قال له: نعم قرح، أقرح الله جوفك.
60- أبو هفان قال: أخبرني جماعة من أهل الظرف والأدب من نقال الأخبار قالوا: كانت عنان تشتاق إلى أبي نواس وتنازع إليه وهو بمصر فلما قدم بلغه ذلك فطوى خبره عنها ثم أتاها غفلة فوجد مولاها النطاف بالباب فقال له: ائذن لي عليها ولا تعلمها من أنا، قال له: من أنت، قال: أبو نواس، قال: إنها لم تزل تثيرني إلى رؤيتك. ثم استأذن له عليها وكانت قد نهضت إلى مجلسها. فقالت: قد ظللت وأنا كسلى. قال: لا بد من ذلك، قالت أما إذ أبيت فائذن له. فدخل أبو نواس فحل.. واستمد.. من دواة معه وكتب حول البيت في كل حد من حدوده شعرا:
إن لي.... خبيثا ... لونه يحكي الكميتا
لو رأى في الجو صدعا ... لنزا حتى يموتا
أو رآه جوف بحر ... صار للغلمة حوتا
أو رآه فوق سقف ... لتحول عنكبوتا
قال: فلما قرأته عنان أجابته بديهة:
زوجوا هذا بألف ... وأظن الألف قوتا
فأخجلته، فقال لها مولاها: اعتذري إليه. قال: ومن هذا فأحتاج إلا الاعتذار إليه؟ قال: ويحك هذا أبو نواس. فاعتذرت إليه. فقال لها: لا تعتذري من فعلك، اعتذري من عذرك، والله ما ساءني ذلك، ولا وددت أنه لم يكن.
61- أبو هفان: حدثت أن أبا نواس خرج يوما وهو مخمور يتنسم الهواء في أيام النحر فاستقبل أعرابيا يسوق غنما فقال له أبو نواس:
أيا صاحب الضأن اللواتي يسوقها ... بكم ذلك الكبش الذي قد تقدما
فقال له الأعرابي:
أبيعكه ... إن كنت تبغي شراءه
ولم تك مزاحا
بعشرين درهما
فقال له أبو نواس: أجدت - هداك الله - رد جوابنا=فأحسن إلينا إن أردت تكرما فقال الأعرابي:
أحد من العشرين خمسا لأنني ... أراك ظريفا فانقدن وتسلما
ثم مر وتركه فقيل له: أتدري من كان يكلمك؟ قال: لا. قيل له: هو أبو نواس. فرجع إليه وحلف عليه أن يقبل منه الكبش فقبله منه ثم سأل عن الأعرابي فأخبر بأنه باهلي فقال:
وباهلي من الأعراب ذي كرم ... جادت يداه بواف القرن والذنب
فإن يكن باهليا عند نسبته ... ففعله قرشي كامل الحسب
62- قال أبو هفان: أخبرت أن الرشيد ساوم النطاف بجاريته عنان فاستام بها أربعمائة ألف درهم فأعطاه هرون بها مائة ألف درهم فأشفق أبو نواس أن يشتريها مخافة أن لا يجد إليها مخلصا ولا توصلا إلى محادثتها فقال: فبلغ شعره الرشيد فقال: ماله لعنه الله منعنا من شرائها؟ 63- أبو هفان قال حدثت عن ابن عائشة عبد الله بن محمد بن حفص المحدث قال: خرجت من المسجد أريد منزلي فإذا أنا بأبي نواس على باب من أبواب المسجد يكلم جارية حسناء فأردت أن أعذله وأؤنبه على ذلك فقلت له: مثلك في أدبك وظرفك وحسن معرفتك يقف هذا الموقف بمرأى من الناس! فاعتذر إلي من ذلك وأظهر ندما ومضى ثم كتب إلي من الغد:
إن التي أبصرتها ... بكرا أكلمها رسول
أدت إلي رسالة ... كادت لها نفسي تميل