إلا ثلاثة مجالس مجلس يسفك فيه دم حرام ومجلس يستحل فيه فرج حرام ومجلس يستحل فيه مال من غير حلة (?)
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَتَجَالَسُ الْمُتَجَالِسَانِ بِالْأَمَانَةِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفْشِيَ على صاحبه ما يكره (?)
قيل لبعض الأدباء كيف حفظك للسر قال
أنا قبره
وقد قيل صدور الأحرار قبور الأسرار
وقيل إن قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه أي لا يستطيع الأحمق إخفاء ما في نفسه فيبديه من حيث لا يدري به
فمن هذا يجب مقاطعة الحمقى والتوقي عن صحبتهم بل عن مشاهدتهم
وقد قيل لآخر
كيف تحفظ السر قال أجحد المخبر وأحلف للمستخبر
وقال آخر وأستر أني أستره وعبر عنه ابن المعتز فقال
ومستودعي سراً تبوأت كتمه ... فأودعته صدري فصار له قبرا
وقال آخر وأراد الزيادة عليه
وما السر في صدري كثاو بقبره ... لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
ولكنني أنساه حتى كأنني ... بما كان منه لم أحط ساعة خبرا
ولو جاز كتم السر بيني وبينه ... عن السر والأحشاء لم تعلم السرا
وَأَفْشَى بَعْضُهُمْ سِرًّا لَهُ إِلَى أَخِيهِ ثُمَّ قال له
حفظت فقال بل نسيت
وكان أبو سعيد الثوري يقول إذا أردت أن تواخي رجلاً فأغضبه ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك فإن قال خيراً وكتم سرك فاصحبه
وقيل لأبي يزيد من تصحب من الناس قال من يعلم منك ما يعلم الله ثم يستر عليك كما يستره الله
وقال ذو النون لا خير في صحبة من لا يحب أن يراك إلا معصوماً ومن أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها
وقد قال بعض الحكماء
لا تصحب من يتغير عليك عند أربع عند غضبه ورضاه وعند طمعه وهواه
بل ينبغي أن يكون صدق الأخوة ثابتاً على اختلاف هذه الأحوال ولذلك قيل
وترى الكريم إذا تصرم وصله ... يخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللئيم إذا تقضى وصله ... يخفي الجميل ويظهر البهتانا
وَقَالَ العباس لِابْنِهِ عبد الله إِنِّي أَرَى هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خَمْسًا لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا وَلَا تَغْتَابَنَّ عنده أحداً ولا تجرين عليه كَذِبًا وَلَا تَعْصِيَنَّ لَهُ أَمْرًا وَلَا يَطَّلِعَنَّ مِنْكَ عَلَى خِيَانَةٍ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ
وَمِنْ ذلك السكوت عن الْمُمَارَاةِ وَالْمُدَافَعَةِ فِي كُلِّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَخُوكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تُمَارِ سَفِيهًا فَيُؤْذِيكَ وَلَا حَلِيمًا فَيَقْلِيكَ
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ بيت في أعلى الجنة // حديث مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بيت في ربض الجنة الحديث تقدم في العلم
هَذَا مَعَ أَنَّ تَرْكَهُ مُبْطِلًا وَاجِبٌ وَقَدْ جَعَلَ ثَوَابَ النَّفْلِ أَعْظَمَ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ مِنَ السُّكُوتِ عَلَى الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا الْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ
وَأَشَدُّ الْأَسْبَابِ لِإِثَارَةِ نَارِ الْحِقْدِ بَيْنَ الْإِخْوَانِ الْمُمَارَاةُ والمنافسة فإنها عين التدابر والتقاطع فإن التقاطع