وَقَدِّرْ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ قَهْرِ نَفْسِهِ فِي تِلْكَ الْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّكَ عَاجِزٌ عَمَّا أَنْتَ مُبْتَلًى بِهِ وَلَا تَسْتَثْقِلْهُ بِخَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ مذمومة فأي الرجال المهذب وكل ما لا تصادفه من نفسك في حق الله فلا تنتظره من أخيك في حق نفسك فليس حقك عليه بأكثر من حق الله عليك
والأمر الثاني أنك تَعْلَمَ أَنَّكَ لَوْ طَلَبْتَ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ اعْتَزَلْتَ عَنِ الْخَلْقِ كَافَّةً وَلَنْ تَجِدَ مَنْ تُصَاحِبُهُ أَصْلًا فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الناس إلا وله محاسن ومساو فإذا غلبت المحاسن المساوي فَهُوَ الْغَايَةُ وَالْمُنْتَهَى فَالْمُؤْمِنُ الْكَرِيمُ أَبَدًا يُحْضِرُ فِي نَفْسِهِ مَحَاسِنَ أَخِيهِ لِيَنْبَعِثَ مِنْ قَلْبِهِ التَّوْقِيرُ وَالْوُدُّ وَالِاحْتِرَامُ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ اللَّئِيمُ فَإِنَّهُ أبدا يلاحظ المساوي وَالْعُيُوبَ
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعَثَرَاتِ
وَقَالَ الفضيل الْفُتُوَّةُ الْعَفْوُ عَنْ زَلَّاتِ الْإِخْوَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَارِ السُّوءِ الَّذِي إِنْ رَأَى خَيْرًا سَتَرَهُ وَإِنْ رَأَى شَرًّا أَظْهَرَهُ (?)
وما من شخص إلا ويمكن تحسين حاله بخصال فيه ويمكن تقبيحه أيضاً
روي أن رجلاً أثنى على رجل عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما كان من الغد ذمه فقال عليه السلام أنت بالأمس تثني عليه واليوم تذمه فقال والله لقد صدقت عليه بالأمس وما كذبت عليه اليوم إنه أرضاني بالأمس فقلت أحسن ما علمت فيه وأغضبني اليوم فقلت أقبح ما علمت فيه فقال عليه السلام إن من البيان لسحراً (?)
وكأنه كره ذلك فشبهه بالسحر ولذلك قال في خبر آخر البذاء والبيان شعبتان من النفاق (?)
وفي الحديث الآخر إن الله يكره لكم البيان كل البيان وكذلك قال الشافعي رحمه الله ما أحد من المسلمين يطيع الله ولا يعصيه ولا أحد يعصي الله ولا يطيعه
فمن كانت طاعته أغلب من معاصيه فهو عدل وإذا جعل مثل هذا عدلاً في حق الله فبأن تراه عدلاً في حق نفسك ومقتضى أخوتك أولى
وكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساويه يَجِبُ عَلَيْكَ السُّكُوتُ بِقَلْبِكَ وَذَلِكَ بِتَرْكِ إِسَاءَةِ الظَّنِّ فَسُوءُ الظَّنِّ غِيبَةٌ بِالْقَلْبِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا وَحَدُّهُ أَنْ لَا تَحْمِلَ فِعْلَهُ على وجه فاسد ما أمكن أن تحمله على وجه حسن
فأما ما انكشف بيقين ومشاهدة فلا يمكنك أن لا تعلمه وعليك أن تحمل ما تشاهد على سهو ونسيان إن أمكن وهذا الظن ينقسم إلى ما يسمى تفرساً وهو الذي يستند إلى علامة فإن ذلك يحرك الظن تحريكاً ضرورياً لا يقدر على دفعه والى ما منشؤه سوء اعتقادك فيه حتى يصدر منه فعل له وجهان فيحملك سوء الاعتقاد فيه على أن تنزله على الوجه الأدرإ من غير علامة تخصه به وذلك جناية عليه بالباطن وذلك حرام في حق كل مؤمن
إذ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء (?)
وقال صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث (?)
وسوء الظن