كعب لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله عز وجل في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبداً يقولون {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} فيقول الله تعالى مجيباً لهم {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} ثم يقولون {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} فيجيبهم الله تعالى أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال فيقولون ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل به فيجيبهم الله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ثم يقولون {ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} فيجيبهم الله تعالى {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} فلا يتكلمون بعدها أبداً وذلك غاية شدة العذاب قال مالك بن أنس رضي الله عنه قال زيد بن أسلم في قوله تعالى {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} قال صبروا مائة سنة ثم جزعوا مائة سنة ثم صبروا مائة سنة ثم قالوا {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} وقال صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ويقال يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت (?) وعن الحسن قال يخرج من النار رجل بعد ألف عام وليتني كنت ذلك الرجل ورؤي الحسن رضي الله عنه جالساً في زاوية وهو يبكي فقيل له لم تبكي فقال أخشى أن يطرحني في النار ولا يبالي فهذه أصناف عذاب جهنم على الجملة وتفصيل عمومها وأجزائها ومحنها وحسرتها لا نهاية له فأعظم الأمور عليهم مع ما يلاقونه من شدة العذاب حسرة فوت نعيم الجنة وفوت لقاء الله تعالى وفوت رضاه مع علمهم بأنهم باعوا كل ذلك بثمن بخس دراهم معدودة إذ لم يبيعوا ذلك إلا بشهوات حقيرة في الدنيا أياماً قصيرة وكانت غير صافية بل كانت مكدرة منغصة فيقولون في أنفسهم واحسرتاه كيف أهلكنا أنفسنا بعصيان ربنا وكيف لم نكلف أنفسنا الصبر أياماً قلائل ولو صبرنا لكانت قد انقضت عنا أيامه وبقينا الآن في جوار رب العالمين متنعمين بالرضا والرضوان فيالحسرة هؤلاء وقد فاتهم وبلوا بِمَا بُلُوا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُمْ شَيْءٌ من نعيم الدنيا ولذاتها ثم إنهم لو لم يشاهدوا نعيم الجنة لم تعظم حسرتها لكنها تعرض عليهم فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤتى يوم القيامة بناس من النار إلى الجنة حتى إذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون والآخرون بمثلها فيقولون يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا فيقول الله تعالى ذاك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراءون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي فاليوم أذيقكم العذاب الأليم مع ما حرمتكم من الثواب المقيم (?) وقال أحمد بن حرب إن أحدنا يؤثر الظطل على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار
وقال عيسى عليه السلام كم من جسد صحيح ووجه صبيح ولسان فصيح غدا بين أطباق النار يصيح
وقال داود إلهي لا صبر لي على حر شمسك فكيف صبري على حر نارك ولا صبر لي على صوت رحمتك فكيف على صوت عذابك
فانظر يا مسكين في هذه الأهوال واعلم أن الله تعالى خلق النار بأهوالها وخلق أهلاً لا يزيدون ولا ينقصون وأن هذا أمر قد قضي وفرغ منه قال الله تعالى وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون