حرام على نفس أن تخرج من الدنيا حتى تعلم من أهل الجنة هى أم من أهل النار وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم من مات غريبا مات شهيدا ووقى فتانات القبر وغدى وريح عليه برزقه من الجنة (?) وقال مسروق ما غبطت مؤمنا في اللحد قد استراح من نصب الدنيا وأمن عذاب الله تعالى وقال يعلى بن الوليد كنت أمشي يوما مع أبي الدرداء فقلت له ما تحب لمن تحب قال الموت قلت فإن لم يمت قال يقل ماله وولده وإنما أحب الموت لأنه لا يحبه إلا المؤمن والموت إطلاق المؤمن من السجن وإنما أحب قلة المال والولد لأنه فتنة وسبب للأنس بالدنيا والأنس بمن لا بد من فراقه غاية الشقاء فكل ما سوى الله وذكره والأنس به فلا بد من فراقه عند الموت لا محالة ولهذا قال عبد الله بن عمرو إنما مثل المؤمن حين تخرج نفسه أو روحه مثل رجل بات في سجن فأخرج منه فهو يتفسح في الأرض ويتقلب فيها وهذا الذي ذكره حال من تجافى عن الدنيا وتبرم بها ولم يكن له أنس إلا بذكر الله تعالى وكانت شواغل الدنيا تحبسه عن محبوبه ومقاساة الشهوات تؤذيه فكان في الموت خلاصه من جميع المؤذيات وانفراده بمحبوبه الذي كان به أنسه من غير عائق ولا دافع وما أجدر ذلك بأن يكون منتهى النعيم واللذات وأكل اللذات للشهداء الذين قتلوا في سبيل الله لأنهم ما أقدموا على القتال إلا قاطعين التفاتهم عن علائق الدنيا مشتاقين إلى لقاء الله راضين بالقتل في طلب مرضاته فإن نظر إلى الدنيا فقد باعها طوعا بالآخرة والبائع لا يلتفت قلبه إلى المبيع وإن نظر إلى الآخرة فقد اشتراها وتشوق إليها فما أعظم فرحه بما اشتراه إذا رآه وما أقل التفاته إلى ما باعه إذا فارقه وتجرد القلب لحب الله تعالى قد يتفق في بعض الأحوال ولكن لا يدركه الموت عليه فيتغير والقتال سبب للموت فكان سببا لإدراك الموت على مثل هذه الحالة فلهذا عظيم النعيم إذ معنى النعيم أن ينال الإنسان ما يريده قال الله تعالى {ولهم ما يشتهون} فكان هذا أجمع عبارة لمعاني لذات الجنة وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده كما قال الله تعالى {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنم وهذا النعيم يدركه الشهيد كما انقطع نفسه من غير تأخير وهذا أمر انكشف لأرباب القلوب بنور اليقين وأن أردت عليه شهادة من جهة السمع فجميع أحاديث الشهداء تدل عليه وكل حديث يشتمل على التعبير عن منتهى نعيمهم بعبارة أخرى فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجابر ألا أبشرك يا جابر وكان قد استشهد أبوه يوم أحد فقال بلى بشرك الله بالخير فقال إن الله عز وجل قد أحيا أباك وأقعده بين يديه وقال تمن علي يا عبدي ما شئت أعطيكه فقال يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك فأقتل فيك مرة أخرى قال له أنه قد سبق منى أنك إليها لا ترجع (?) وقال كعب يوجد رجل في الجنة يبكي فيقال له لم تبكي وأنت في الجنة قال أبكي لأني لم أقتل في الله إلا قتلة واحدة فكنت أشتهى أن أرد فأقتل فيه قتلات

واعلم أن المؤمن ينكشف له عقيب الموت من سعة جلال الله ما تكون الدنيا بالإضافة إليه كالسجن والمضيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015