أن الذي قبله جاحد تحقيقاً فإن جاوز حد العمى إلى العمش أدرك تفاوتاً بين الموجودين فأثبت عبداً ورباً فبهذا القدر من إثبات التفاوت والنقص من الموجود الآخر دخل في حد التوحيد ثم إن كحل بصره بما يزيد في أنواره فيقل عمشه وبقدر ما يزيد في بصره يظهر له نقصان ما أثبته سوى الله تعالى فإن بقي في سلوكه كذلك فلا يزال يفضي به النقصان إلى المحو فينمحي عن رؤية ما سوى الله فلا يرى إلا الله ليكون قد بلغ كمال التوحيد وحيث أدرك نقصاً في وجود ما سوى الله تعالى دخل في أوائل التوحيد وبينهما درجات لا تحصى فبهذا تتفاوت درجات الموحدين وكتب الله المنزلة على ألسنة رسله هي الكحل الذي به يحصل أنوار الأبصار والأنبياء هم الكحالون وقد جاءوا داعين إلى التوحيد المحض وترجمته قول لا إله إلا الله ومعناه أن لا يرى إلا الواحد الحق والواصلون إلى كمال التوحيد هم الأقلون والجاحدون والمشركون أيضاً قليلون وهم على الطرف الأقصى المقابل لطرف التوحيد إذ عبدة الأوثان قالوا {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} فكانوا داخلين في أوائل أبواب التوحيد دخولاً ضعيفاً والمتوسطون هم الأكثرون وفيهم من تنفتح بصيرته في بعض الأحوال فتلوح له حقائق التوحيد ولكن كالبرق الخاطف لا يثبت وفيهم من يلوح له ذلك ويثبت زماناً ولكن لا يدوم والدوام فيه عزيز

لكل إلى شأو العلا حركات ... ولكن عزيز في الرجال ثبات

ولما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب القرب فقيل له {واسجد واقترب} قال في سجوده أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (?) حديث إنه ليغان على قلبي الحديث تقدم في التوبة وقبله في الدعوات فكان ذلك لترقيه إلى سبعين مقاماً بعضها فوق البعض أولها وإن كان مجاوزاً أقصى غايات الخلق ولكن كان نقصاناً بالإضافة إلى آخرها فكان استغفاره لذلك ولما قالت عائشة رضي الله عنها أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فما هذا البكاء في السجود وما هذا الجهد الشديد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015