من علوم المعاملة ولكنا نشير منها إلى ملامح ونقول ههنا نظران نظر بعين التوحيد المحض وهذا النظر يعرفك قطعاً أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره وأن كل شيء هالك إلا وجهه وأن ذلك صدق في كل حال أزلاً وأبداً لأن الغير هو الذي يتصور أن يكون له بنفسه قوام ومثل هذا الغير لا وجود له بل هو محال أن يوجد إذ الموجود المحقق هو القائم بنفسه وما ليس له بنفسه قوام فليس له بنفسه وجود بل هو قائم بغيره فهو موجود بغيره فإن اعتبر ذاته ولم يلتفت إلى غيره لم يكن له وجود البتة وإنما الموجود هو القائم بنفسه والقائم بنفسه هو الذي لو قدر عدم غيره بقي موجوداً فإن كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره فهو قيوم ولا قيوم إلا واحد ولا يتصور أن يكون غير ذلك فإذن ليس في الوجود غير الحي القيوم وهو الواحد الصمد فإذا نظرت من هذا المقام عرفت أن الكل منه مصدره وإليه مرجعه فهو الشاكر وهو المشكور وهو المحب وهو المحبوب ومن ههنا نظر حبيب بن أبي حبيب حيث قرأ {إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب} فقال واعجباه أعطى وأثنى إشارة إلى أنه إذا أثنى على إعطائه فعلى نفسه أثنى فهو المثني وهو المثني عليه ومن ههنا نظر الشيخ أبو سعيد المهينى حيث قرىء بين يديه {يحبهم ويحبونه} فقال لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق يحبهم لأنه إنما يحب نفسه أشار به إلى أنه المحب وأنه المحبوب وهذه رتبة عالية لا تفهمها إلا بمثال على حد عقلك فلا يخفى عليك أن المصنف إذا أحب تصنيفه لقد أحب نفسه والصانع إذا أحب صنعته فقد أحب نفسه والوالد إذا أحب ولده من حيث إنه ولده فقد أحب نفسه وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته فإن أحبه فما أحب إلا نفسه وإذا لم يحب الانفسه فبحق أحب ما أحب وهذا ما أحب وهذا كله نظر بعين التوحيد وتعبر الصوفية عن هذه الحالة بفناء النفس أي فني عن نفسه وعن غير الله فلم ير إلا الله تعالى فمن لم يفهم هذا ينكر عليهم ويقول كيف فني وطول ظله أربعة أذرع ولعله يأكل في كل يوم أرطالاً من الخبز فيضحك عليهم الجهال لجهلهم بمعاني كلامهم وضرورة قول العارفين أن يكونوا ضحكة للجاهلين وإليه الإشارة بقوله تعالى إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذ رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين ثم بين أن ضحك العارفين عليهم غدا أعظم إذ قال تعالى {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون} وكذلك أمة نوح عليه السلام كانوا يضحكون عليه عند اشتغاله بعمل السفينة قال {إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون} فهذا أحد النظرين النظر الثاني نظر من لم يبلغ إلى مقام الفناء عن نفسه وهؤلاء قسمان قسم لم يثبتوا إلا وجود أنفسهم وأنكروا أن يكون لهم رب يعبد وهؤلاء هم العميان المنكوسون وعماهم في كلتا العينين لأنهم نفوا ما هو الثابت تحقيقاً وهو القيوم الذي هو قائم بنفسه وقائم على كل نفس بما كسبت وكل قائم فقائم به ولم يقتصروا على هذا حتى أثبتوا أنفسهم ولو عرفوا لعلموا أنهم من حيث هم هم لا ثبات لهم ولا وجود لهم وإنما وجودهم من حيث أوجدوا لا من حيث وجدوا وفرق بين الموجود وبين الموجد وليس في الوجود إلا موجود واحد وموجد فالموجود حق والموجد باطل من حيث هو هو والموجود قائم وقيوم والموجد هالك وفان وإذا كان كل من عليها فان فلا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام الفريق الثاني ليس بهم عمى ولكن بهم عور لأنهم يبصرون بإحدى العينين وجود الموجود الحق فلا ينكرونه والعين الأخرى إن تم عماها لم يبصر بها فناء غير الموجود الحق فأثبت موجوداً آخر مع الله تعالى وهذا مشرك تحقيقاً كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015