أم لا لا يصح ما لم يفهم معنى الكبيرة والمراد بها كقول القائل السرقة حرام أم لا ولا مطمع في تعريفه إلا بعد تقرير معنى الحرام أولا ثم البحث عن وجوده في السرقة فالكبيرة من حيث اللفظ مبهم ليس له موضوع خاص في اللغة ولا في الشرع وذلك لأن الكبير والصغير من المضافات وما من ذنب إلا وهو كبير بالإضافة إلى ما دونه وصغير بالإضافة إلى ما فوقه فالمضاجعة مع الأجنبية بالإضافة إلى النظرة صغيرة بالإضافة إلى الزنا وقطع يد المسلم كبيرة إلى ضربه صغيرة بالإضافة إلى قتله نعم للإنسان أن يطلق على ما توعد بالنار على فعله خاصة اسم الكبيرة ونعني بوصفه بالكبيرة أن العقوبة بالنار عظيمة وله أن يطلق على ما أوجب الحد عليه مصيراً إلى أن ما عجل عليه في الدنيا عقوبة واجبة عظيم وله أن يطلق على ما ورد في نص الكتاب النهي عنه فيقول تخصيصه بالذكر في القرآن يدل على عظمه ثم يكون عظيماً وكبيرة لا محالة بالإضافة إذ منصوصات القرآن أيضاً تتفاوت درجاتها فهذه الإطلاقات لا حرج فيها وما نقل من ألفاظ الصحابة يتردد بين هذه الجهات ولا يبعد تنزيلها على شيء من هذه الاحتمالات نعم من المهمات أن تعلم معنى قول الله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نكفر عنكم سيئاتكم} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات كفارات لما بينهن إلا الكبائر فإن هذا إثبات حكم الكبائر وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ مُنْقَسِمَةٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إِلَى مَا يُعْلَمُ اسْتِعْظَامُهُ إِيَّاهَا وَإِلَى مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا مَعْدُودَةٌ فِي الصَّغَائِرِ وَإِلَى مَا يُشَكُّ فِيهِ فَلَا يُدْرَى حُكْمُهُ فالطمع في معرفة حد حاصر أو عدد جامع مانع طلب لما لم يمكن فإن ذلك لا يمكن إلا بالسماع من رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ يقول إني أردت بالكبائر عشراً أو خمساً ويفصلها فإن لم يرد هذا بل ورد في بعض الألفاظ ثلاث من الكبائر (?) وفي بعضها سبع من الكبائر (?) ثم ورد أن السبتين بالسبة الواحدة من الكبائر وهو خارج عن السبع والثلاث علم أنه لم يقصد به العدد بما يحصر فكيف يطمع في عدد ما لم يعده الشرع وربما قصد الشرع إبهامه ليكون العباد منه على وجل كما أبهم ليلة القدر ليعظم جد الناس في طلبها نعم لنا سبيل كلي يمكننا أن نعرف به أجناس الكبائر وأنواعها بالتحقيق وأما أعيانها فنعرفها بالظن والتقريب ونعرف أيضاً أكبر الكبائر فأما أصغر الصغائر فلا سبيل إلى معرفته وبيانه أنا نعلم بشواهد الشرع وأنوار البصائر جميعاً أن مقصد الشرائع كلها سياق الخلق إلى جوار الله تعالى وسعادة لقائه وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وكتبه ورسله وإليه الإشارة بقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي ليكونوا عبيد لي ولا يكون العبد عبداً ما لم يعرف ربه بالربوبية ونفسه بالعبودية ولا بد أن يعرف نفسه وربه فهذا هو المقصود الأقصى ببعثة الأنبياء ولكن لا يتم هذا إلا في الحياة الدنيا وهو المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام الدنيا مزرعة الآخرة (?) فصار حفظ الدنيا أيضاً مقصوداً تابعاً للدين لأنه وسيلة إليه والمتعلق من الدنيا بالآخرة شيئان النفوس والأموال فكل ما يسد باب معرفة الله تعالى فهو أكبر الكبائر ويليه ما يسد باب حياة النفوس ويليه باب ما يسد المعايش التي بها حياة الناس فهذه ثلاث مراتب فحفظ