عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا يَذْكُرُهُ، بَلْ بِمَا يُشْرَكُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] ، وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ آدَمَ "، ثُمَّ قَالَ: {مِنْ ظُهُورِهِمْ} [الأعراف: 172] ، وَلَمْ يَقُلْ: " مِنْ ظَهْرِهِمْ "، ثُمَّ قَالَ: (ذُرِّيَّتَهُمْ) ، وَلَمْ يَقُلْ: (ذُرِّيَّتَهُ) ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] وَهَذَا يَقْتَضِي إِقْرَارَهُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ إِقْرَارًا تَقُومُ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ الْإِقْرَارُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10] ، وَقَوْلِهِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] ،: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] ،: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84 - 85] ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ: يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِمَا فُطِرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِرَبِّهِمْ وَفَاطِرِهِمْ، وَيَدْعُوهُمْ بِهَذَا الْإِقْرَارِ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَأَلَّا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ.
وَمِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي " الْأَعْرَافِ " وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِهَا: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ - أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172 - 173]