وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» " فَلَمْ يَرُدَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ، وَلَا ذِكْرُهُ، وَلَا قِرَاءَتُهُ، وَلَا صَلَاتُهُ، وَلَا صِيَامُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ أَنَّ قَلَمَ الثَّوَابِ مَرْفُوعٌ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ رَفْعُ قَلَمِ التَّأْثِيمِ، وَأَنَّهُ لَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ ذَنْبٌ، وَالْإِسْلَامُ أَعْظَمُ الْحَسَنَاتِ، وَهُوَ لَهُ لَا عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْ رَفْعِ الْقَلَمِ عَنِ الصَّبِيِّ بُطْلَانُهُ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَالْإِسْلَامُ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَيَسْعَدُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟
فَإِنْ قِيلَ: فَالْإِسْلَامُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ، وَنَفَقَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَيَحْرِمُهُ مِيرَاثَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ، وَيَفْسَخُ نِكَاحَهُ، وَهَذِهِ أَحْكَامٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ، فَتَكُونُ مَرْفُوعَةً عَنْهُ بِالنَّصِّ، وَيَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا، فَيَلْزَمُ مِنْ رَفْعِهَا رَفْعُ سَبَبِهَا: وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لِلنَّاسِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِحُّ الْإِلْزَامُ بِهَا.
وَالثَّانِي: تَجِبُ فِي مَالِهِ، وَهِيَ نَفْعٌ مَحْضٌ لَهُ، تَعُودُ عَلَيْهِ بَرَكَتُهَا فِي الْعَاجِلِ، وَالْآجِلِ، فَهِيَ الْحَقِيقَةُ لَهُ لَا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُهَا مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، فَلَمْ يَتَجَدَّدْ وُجُوبُهَا بِالْإِسْلَامِ، وَإِنْ تَجَدَّدَ وُجُوبُهَا بِالْإِسْلَامِ، فَالنَّفْعُ الْحَاصِلُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ،