الْبَابُ الْأَوَّلُ
[ذِكْرُ أَحْكَامِهِمْ فِي الدُّنْيَا] .
لَمَّا كَانَ الطِّفْلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ وَلِيٍّ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ، وَيَكُونُ تَابِعًا لَهُ، وَأَحَقُّ مَنْ نُصِبَ لِذَلِكَ الْأَبَوَانِ، إِذْ هُمَا السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْهُمَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهُمَا مِنَ الْحَقِّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ سِوَاهُمَا، فَكَانَا أَخَصَّ بِهِ، وَأَحَقَّ بِكَفَالَتِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ يَنْشَأَ عَلَى دِينِهِمَا كَمَا يَنْشَأُ عَلَى لُغَتِهِمَا، " «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ» "، فَإِنْ كَانَا مُوَحِّدِينَ مُسْلِمِينَ رَبَّيَاهُ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الْفِطْرَةُ الْخُلُقِيَّةُ وَتَرْبِيَةُ الْأَبَوَيْنِ، وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَخْرَجَاهُ عَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا بِتَعْلِيمِهِ الشِّرْكَ وَتَرْبِيَتِهِ عَلَيْهِ، لِمَا سَبَقَ لَهُ فِي " أُمِّ الْكِتَابِ ".
فَإِذَا نَشَأَ الطِّفْلُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ كَانَ عَلَى دِينِهِمَا شَرْعًا وَقَدَرًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَبَعِيَّتُهُ لِلْأَبَوَيْنِ بِمَوْتٍ، أَوِ انْقِطَاعِ نِسَبٍ كَوَلَدِ الزِّنَا، وَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ، وَاللَّقِيطِ، وَالْمَسْبِيِّ، وَالْمَمْلُوكِ: فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الطِّفْلِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ مَسْأَلَةً مَسْأَلَةً.