وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ أَنْكِحَتِهِمْ لِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهَا. وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْأَجْوِبَةِ، وَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ عُمَرُ فِي نِكَاحِ أُمِّهِ وَابْنَتِهِ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ؟ وَكَيْفَ يَقُولُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنِّي آمُرُكَ، لَيْسَ طَلَاقُكَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ مَنْ يَسْتَحِلُّ نِكَاحَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ؟
وَعِنْدِي جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِغَيْرِ عَدَدٍ كَمَا «قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَا شَاءَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ، وَاللَّهِ لَا أُطَلِّقُكِ فَتَبِينِي مِنِّي، وَلَا أُؤْوِيكِ أَبَدًا، قَالَتْ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُطَلِّقُكِ فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكِ أَنْ تَنْقَضِيَ رَاجَعْتُكِ: فَذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَخْبَرَتْهَا، فَسَكَتَتْ عَائِشَةُ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ فَسَكَتَ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] قَالَتْ: فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا، مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُتَّصِلًا، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَائِشَةَ، وَقَالَ هَذَا أَصَحُّ.