فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: وَهِيَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ الْكَافِرُ نُفُوذَ الطَّلَاقِ أَوْ لَا يَعْتَقِدُهُ، فَإِنِ اعْتَقَدَهُ نَفَذَ طَلَاقُهُ، وَلَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي نُفُوذِهِ، هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَنْكِحَتَهُمْ صَحِيحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ نَفَذَ فِيهِ الطَّلَاقُ، فَإِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ مِنَ التَّوَارُثِ، وَالْحِلِّ، وَثُبُوتِ النَّسَبِ، وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَسَمَّاهُ " نِكَاحًا " وَأَثْبَتَ بِهِ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَانَ الظِّهَارُ يَعُدُّهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ طَلَاقًا، وَقَامَ الْإِسْلَامُ حَتَّى أَبْطَلَ اللَّهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَشَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ.
وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ نِكَاحٍ وُلِدَ فِيهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ؟ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ مِنْ نِكَاحٍ، لَا مِنْ سِفَاحٍ.