قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ إِعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ وَتَعْظِيمٌ لِكَنَائِسِهِمْ.
قَالَ: هَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " وَهُوَ مِنْ أَوَائِلِ كُتُبِهِ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ أَحْمَدَ وَقَوَاعِدِهِ وَأُصُولِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ عَلَى الْبِيعَةِ وَعَوْدِ الْوَقْفِ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ مَنَعَ أَحْمَدُ الْمُسْلِمَ مِنْ كِرَاءِ مَنْزِلِهِ مِنَ الْكَافِرِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَا يُزَيَّنُ بِهِ الْكَنِيسَةُ وَعَمَلُهَا؟
وَكَذَلِكَ مَنْ ذَكَرَ جَوَازَ مِثْلِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ خَالَفَ نُصُوصَهُ وَأُصُولَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي (كِتَابِ الْجِزْيَةِ) مِنَ " الْأُمِّ ": لَوْ أَوْصَى - يَعْنِي الذِّمِّيَّ - بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ يُبْنَى بِهِ كَنِيسَةٌ لِصَلَاةِ النَّصَارَى، أَوْ يُسْتَأْجَرُ بِهِ خَدَمُ الْكَنِيسَةِ، أَوْ يُعَمَّرُ بِهِ، أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبْنَى بِهَا كَنِيسَةٌ يَنْزِلُهَا مَارَّةُ الطَّرِيقِ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ، وَلَيْسَ فِي بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ مَعْصِيَةٌ إِلَّا أَنْ تُتَّخَذَ لِمُصَلَّى النَّصَارَى الَّذِينَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهَا عَلَى الشِّرْكِ.
قَالَ: وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَاءً أَوْ نِجَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فِي كَنَائِسِهِمُ الَّتِي لِصَلَاتِهِمْ، هَذَا لَفْظُهُ.