فَقَالَ صَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ ": وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِنْ أَحْيَا مَوَاتَ عَنْوَةٍ لَزِمَهُ عَنْهُ الْخَرَاجُ، وَإِنْ أَحْيَا غَيْرَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ.
وَنَقَلَ عَنْهُ حَرْبٌ: عَلَيْهِ عُشْرُ ثَمَرِهِ وَزَرْعِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّا إِنْ قُلْنَا: لَا يُمَلَّكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ بِهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَمَلُّكِهِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ لَا يَنْتَزِعُ مِلْكَ مُسْلِمٍ مِنْهُ، بَلْ يُحْيِي مَوَاتًا لَا حَقَّ فِيهِ لِأَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ، فَهُوَ كَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي إِحْيَائِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا قَهْرٌ وَإِذْلَالٌ لَهُ، بِخِلَافِ تَسْلِيطِهِ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ دَارِهِ وَأَرْضِهِ، وَاسْتِيلَائِهِ هُوَ عَلَيْهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ عَامِرٌ لِلْأَرْضِ الْمَوَاتِ، وَفِي ذَلِكَ نَفْعٌ لَهُ وَلِلْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ قَهْرِهِ لِلْمُسْلِمِ وَأَخْذِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ مِنْهُ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْهَا، فَقِيَاسُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْإِحْيَاءِ بَاطِلٌ.
وَعَلَى هَذَا فَيُجَابُ عَنْ هَذَا الْقِيَاسِ بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْإِحْيَاءِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَرْقٌ، فَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْمِلْكِ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ بَطَلَ الِالْتِزَامُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.