أَمَّا غَيْرُ الْحَرَمِ مِنْهُ فَيُمْنَعُ الْكِتَابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الِاسْتِيطَانِ وَالْإِقَامَةِ بِهِ وَلَهُ الدُّخُولُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِمَصْلَحَةٍ كَأَدَاءِ رِسَالَةٍ أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ حَاجَةٍ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِجَارَتِهِ شَيْئًا، وَلَا يُمَكَّنْ مِنَ الْإِقَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ.
وَقَدْ أَدْخَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْيَمَنَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهَا وَهَذَا وَهْمٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، وَأَقَرَّهُمْ فِيهَا وَأَقَرَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَأَقَرَّهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُجْلُوهُمْ مِنَ الْيَمَنِ مَعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ إِمَامٍ أَنَّهُ أَجْلَاهُمْ مِنَ الْيَمَنِ.
وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُخْرَجُونَ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَامَةِ وَخَيْبَرَ وَيَنْبُعَ وَمَخَالِيفِهَا وَلَمْ يَذْكُرَا الْيَمَنَ، وَلَمْ يُجْلُوا مِنْ تَيْمَاءَ أَيْضًا وَكَيْفَ يَكُونُ الْيَمَنُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَهِيَ وَرَاءَ الْبَحْرِ فَالْبَحْرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَزِيرَةِ؟ فَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ مَحْضٌ.